مراهنة واشنطن على كَسْر التحالف الإيراني - العراقي
منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب قواته العسكرية من سوريا، بدأ الكثير من التحرّكات الأميركية التي تشي بأن هذا الانسحاب يحمل في طياته أهدافاً قريبة سيتم استثمارها، وبعيدة تكون استراتيجية في نتائجها، ولعلّ زيارة ترامب السرية إلى قاعدة "عين الأسد" في العراق، تحمل رسائل ودلالات موجّهة للإقليم ككل، ففي وقت سابق أعلن ترامب وبشكل حمل مفاجأة صادمة للحلفاء، قراره بالانسحاب من سوريا وأفغانستان، مستثنياً العراق، وهذا يؤكّد أن التطوّرات في سوريا، أجبرت ترامب على الانتقال الاستراتيجي من زاوية إلى أخرى، تمهيداً للتحضير لما هو أبعد من تطلّعات كردية وهواجس تركية. ذريعة الانسحاب على لسان ترامب بنقل جنوده من سوريا إلى العراق، هي لمراقبة إيران، فلماذا إيران؟
ما تزال إيران تشكّل الهاجس الأكبر للولايات المتحدة، حيث أن برنامجها النووي مازال يقلقها، ومحاولة الضغط عليها ومحاصرتها مستمرة، ويكفي القول بأن موقف إيران الداعم لحركات المقاومة الفلسطينية والعراقية وحزب الله، لندرك أن الجمهورية الإسلامية مُستهدَفة عبر مسارات الحرب السياسية والاقتصادية، وفي وقت لاحق ربما تكون حرباً عسكرية ضمن ظرف انعدام الخيارات.
مع تعزّز العلاقات الإيرانية العراقية، كان لا بدّ من وضع حد لهذا التمدّد الإيراني كما تسميه واشنطن، والذي بدوره يُفسّر أن أميركا تخشى إيران وأنها تنظر إليها قوّة لا يُستهان بها، في المقابل ما تفعله أميركا هو مزيد من الضغوطات على الحكومة العراقية، والجدير بالذكر أنه ومنذ احتلال العراق، وتمكين القواعد العسكرية الأميركية عقب الغزو الأميركي للعراق، بدا في أفق هذه التطوّرات أن المُخطّط لم يقتصر على العراق وثرواته، بل هناك هدف يُراد منه تأسيس منظومات تُشكّل عوامل ضغط عديدة، فقد مارست السلطات الأميركية الكثير من الضغط لتلعب على مسألة الشمال والجنوب العراقي، وعمدت خلال سنوات تواجدها في العراق إلى تقسيمه وتعطيل مفاعيل الحياة الاقتصادية فيه، كما استغلت مسألة كردستان العراق وحرّضت على مطالبتهم بحكم ذاتي، لتحقّق عملية تقسيم العراق، وبعد فشل مشروع الاستفتاء الكردي الذي تدعمه، عمدت إلى استغلال فوز عادل عبد المهدي بمنصب رئاسة الوزراء للتواصل مع مختلف الجماعات الكردية، وذلك لإحياء قضية كركوك والمطالبة بانتخاب ثمانية وزراء من الكرد لكنها فشلت أيضاً.
خلال عام 2018 حاولت واشنطن إشعال الشارع العراقي وخصوصاً في احتجاجات البصرة، وقامت بعمليات التخريب، لكن الأصل هو حيث تتواجد فصائل المقاومة العراقية والمدعومة إيرانياً، محاولة بذلك خلق تصدّعات في جسد العراق، وتبع ذلك زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي العراق، ويؤكّد على ضرورة وقف التعاون الإيراني العراقي، وخاصة في قطاع الطاقة، مستعينة (واشنطن) بطرحها ببعض القوى والفصائل الموالية لها، معتقدة انه من خلال الضغط العسكري على شمال وجنوب العراق ستضعف الحكومة العراقية.
ضمن هذه المُعطيات، يبدو واضحاً أن الممارسات الأميركية في العراق، إنما يتم توجيهها واستثمارها بُغية وضع إسفين بين العراق وإيران، فالعلاقة العراقية - الإيرانية مبنية على تقاطع واحد وهو القضاء على الامبريالية الاستعمارية والصهيونية، والعلاقات المشتركة وخصوصا في مجال الاستثمار في الطاقة يُعدّ من أهم مجالات التعاون، ولهذا أصرّ "بومبيو" على فكّ هذا الارتباط بين البلدين، فمسألة أن تكون لإيران علاقات في العراق تُفضي إلى تواجد لها على الأرض، يقلقها، ومخافة أن تحظى إيران باستثمارات مع أكثر من بلد في مجال الطاقة سيحميها من الضغوط الاقتصادية الأميركية عليها، لذلك ربطت انتهاء الحرب في سوريا بخروج إيران منها، فضلاً عن جُملة واسعة من الإجراءات في العراق والاقليم، هدفها الأول والأخير استهداف إيران وضرب شبكة تحالفاتها السورية العراقية.
في جانب آخر، إسرائيل في خطر كبير مع تعاظم قوّة محور المقاومة في العراق وسوريا ولبنان، وعليه علّل ترامب انتقال القوات من سوريا وأنه لن يغادر العراق من أجل مراقبة إيران.
ذريعة التواجد الأميركي في العراق لمراقبة إيران وتحرّكاتها في سوريا والمنطقة، هي ذريعة لا يُعتدّ بها، فبعد سنوات من الاحتلال الأميركي للعراق، أصبح المقاومون العراقيون والحشد الشعبي، وغالبية أطياف الشعب العراقي، يدركون تماماً ألا سبيل مع أميركا سوى المقاومة وطردها من أرضهم، وأن التضامن مع إيران هو شأن عراقي ولن يُسمح باستعمال بلادهم كأرضية للنَيْل من أيّ بلد مهما كان، وخصوصاً بلدان الجوار.
في حديث مع قناة الميادين، أكّد المتحدّث العسكري بإسم كتائب حزب الله العراق جعفر الحسيني، أن المهمة الجديدة للجيش الأميركي وفق ترامب باتت واضحة، وأكد أن فصائل المقاومة العراقية تدرك منذ وقت طويل النوايا العدائية للولايات المتحدة، مُطالباً البرلمانيين العراقيين التقدّم بمشروع قانون لخروج القوات الأميركية من العراق، وأضاف الحسيني خلال حديثه للميادين، أنه إذا قرّرت واشنطن الاعتداء على سوريا وإيران من الأراضي العراقية سنقطع يدها، وأوضح أنه ليس لدى القوات الأميركية حرية الحركة في المناطق الحدودية ولا يمكنها القيام بأي اعتداء، ولا يمكن لترامب أن يفكّر بالاعتداء على إيران من الأراضي العراقية.
بالتالي بات واضحاً أن النهج الأميركي الرامي لتفكيك العلاقة الإيرانية العراقية، لن يُكتب له النجاح إطلاقاً، حيث أن المعادلات الاستراتيجية الجديدة التي أنتجتها جزئيات محور المقاومة، سيكون من الصعب على واشنطن اختراقها أو العبث بنتائجها.