نتائج لقاء بوتين - أردوغان .. والازدواجيّة التركية
اتفاقية أضنة وتفاهماتها وما نتج منها في حينه، قد التزمت بها الدولة السورية، لكن مع بداية الحرب المفروضة على سوريا، نقضَ أردوغان تفاهمات أضنة، وجعل من أراضيه ممراً للفصائل الإرهابية على اختلاف مسمّياتها.
تسارُع الأحداث السياسية المتعلّقة بالملف السوري، يؤكّد أن مشهد الشمال السوري سيشهد الكثير من التطوّرات، وما يؤكّد هذه الفرضية، اللقاء الذي جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وما تلاه من تصريحات جاءت بمُجملها في إطار البحث الجاد والسعي الحثيث، لإنهاء التعقيدات التي كانت عنواناً عريضاً للمشهد في الشمال السوري، وليست مُصادفة أن يُذكّر بوتين بالاتفاق الأمني بين سوريا و تركيا الموقّع عام 1998، أو ما يُعرَف بمعاهدة أضنة، والطرح الذي جاء به بوتين عقب تذكيره بهذه الاتفاقية، يشي بتذليل العراقيل التي سيطرت خلال الفترة الماضية على ملفيّ إدلب وشرق الفرات، وفي هذا أيضاً، تطمينات روسية لتركيا، ستتكشّف ملامحها تباعاً.
الاستراتيجية الروسية التي اعتمدت نظرية احتواء كافة الأطراف الفاعلين في الملف السوري، يبدو أن هذه الاستراتيجية أتت ثمارها، حيث أن تصريحات بوتين المُفاجئة توقيتاً ومضموناً، يُراد منها أن تتصدّر عناوين أية ملفات قد تُطرَح لاحقاً، بمعنى، اتفاقية أضنة ستكون طريقاً لجُملة الحلول والهواجس التي تجمع سوريا وتركيا، وبالتالي أي طرح يتضمّن إنشاء منطقة عازلة، سيكون بلا قيمة ولا معنى، وما رشح عن اللقاء بين بوتين وأردوغان، يؤكّد أن تقريب وجهات النظر بات في طريقه لبلورة الحلول، أما تصريحات أردوغان المتعلّقة بإمكانية استئناف العلاقات مع دمشق باستثناء الرئيس الأسد، ما هي إلا رفع لسقف التصريحات الإعلامية، فأردوغان يسعى جاهداً لطَرْق أبواب دمشق، والبحث عن تسويات تجنّبه الهزيمة والانكسار، فالرجل قد وصل إلى قناعة أنه لا يمكنه إطلاقاً تحويل المسار السياسي في سوريا لصالحه، من هنا نفهم تأكيد أردوغان ألا أطماع له في سوريا، وكل ما يقوم به من منطلق حمايه أمنه القومي، وحماية المدنيين، فضلاً عن تصريح جاويش أوغلو حول اتصالات سرّية مع دمشق.
اتفاقية أضنة وتفاهماتها وما نتج منها في حينه، قد التزمت بها الدولة السورية، لكن مع بداية الحرب المفروضة على سوريا، نقضَ أردوغان تفاهمات أضنة، وجعل من أراضيه ممراً للفصائل الإرهابية على اختلاف مسمّياتها، لكن إعادة تفعيل بنود هذه الاتفاقية، ستمنح هامشاً كبيراً للدولة السورية، لتتمكّن عبره من المناورة الذكية بمساعدة حلفائها، لا سيما أن أحد أهم بنود هذه الاتفاقية، هو التعاون الأمني، أي على الجانبين الالتزام بتسليم أية عناصر إرهابية تهدّد أمن البلدين، وهنا مربط الفرس الروسي، فهذه الخطوة الاستراتيجية الذكية ستُعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وستُلزم تركيا في المقابل، بالعودة إلى بنود المعاهدة، وأية مُراوغة ستُطلق على إثرها يد الكرد، الذين يُسارعون الخُطى نحو دمشق.
العديد من المؤشّرات تشي بأن معاهدة أضنة في طريقها إلى التفعيل مُجدّداً، وعلى الرغم من ضبابية المشهد في الشمال السوري، إلا أن الخيارات التركية باتت قليلة إن لم تكن مُعدَمة، وبالتالي هي فرصة ذهبية على أردوغان أن يقوم باستغلالها جيداً، والتوجّه مباشرة إلى تطبيق بنودها مع الجَمْع مع مخرجات سوتشي المتعلّقة بالمنطقة منزوعة السلاح، فلا تعارُض بين سوتشي وما يُراد في دمشق، فالنتيجة حتى هذه اللحظة ستكون دافعاً لكل الأطراف للخروج من المستنقع السوري، وما يبحث عنه أردوغان، سيُحقّق له عبر مكسب سياسي مُشرّف، يُجنّبه الاعتراف بالهزيمة، لكن دمشق تنتظر تأكيدات أردوغانية تعلن توبته، وتأمل دمشق بأن تكون نصوحة، فأية ازدواجية تركية ستُكلّف أردوغان غالياً سياسياً وعسكرياً.