قمّة بيروت الاقتصادية بين غياب ليبيا والامام موسى الصدر
الحقيقة أنه كان هناك ترحيب من مختلف الدول الأعضاء بالجامعة بالطلب اللبناني باستضافة هذه القمّة، وأن هناك في ذات الوقت رغبة كبيرة في إنجاح القمّة بالنظر إلى أهمية الموضوعات التي تناقشها والتطلّع إلى أن تخرج عنها نتائج ملموسة تؤدّي إلى إعطاء دفعة قوية للعمل العربي المشترك في المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، هكذا جاء ردّ فعل الجامعة.
ليس الغياب الليبي عن قمّة بيروت وليد اليوم.. بل لأكثر من أربعين عاماً مضت وصل السيد موسى الصدر إلى ليبيا بتاريخ 25 آب/ أغسطس 1978 يرافقه الشيخ محمّد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، في زيارة رسمية، وحلّوا ضيوفاً على السلطة الليبية في "فندق الشاطئ" بطرابلس الغرب. وكان الصدر قد أعلن قبل مغادرته لبنان، أنه مسافر إلى ليبيا من أجل عقد اجتماع مع القذافي. وانقطع اتصاله بالعالم خارج ليبيا، خلاف عادته في أسفاره حيث كان يُكثر من اتصالاته الهاتفية يومياً بأركان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان وبعائلته.
بالطبع هي نهاية مجهولة حيث شوهد في ليبيا مع رفيقيه، لآخر مرة، ظهر يوم 31 آب/ أغسطس 1978. بعد أن انقطعت أخباره مع رفيقيه، وأثيرت ضجّة عالمية حول اختفائه معهما، أعلنت السلطة الليبية أنهم سافروا من طرابلس الغرب مساء يوم 31 آب/ أغسطس 1978 إلى إيطاليا على متن طائرة الخطوط الجوية الإيطالية. ووجدت حقائبه مع حقائب الشيخ محمّد يعقوب في فندق "هوليداي إن" في روما وأجرى القضاء الإيطالي تحقيقاً واسعاً في القضية انتهى بقرار اتّخذه المدّعي العام الاستئنافي في روما بتاريخ 12 آب/ أغسطس 1979 بحفظ القضية بعد أن ثبت أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الأراضي الإيطالية.
عقود مضت على هذا اللغز المُحيّر، وجاءت نكبة جديدة تضاف إلى نكبات العرب وليست قمّة.. والبداية مع وزير الخارجية الليبي الذي أكّد عدم مشاركة الوفد الليبي في قمّة بيروت الاقتصادية بين (18 و20 كانون الثاني/ يناير) الجاري. حيث أن المجلس الأعلى للدولة الليبية يستنكر إهانة العلَم الليبي خلال التحضيرات للقمّة ويطالب بتجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. مع تفاقم السِجال بين لبنان وليبيا حول حضور ليبيا للقمّة على خلفيّة تقاعس السلطات الليبية في قضية الصدر ورفيقيه.. يحدث هذا بينما تعاني ليبيا ولبنان فراغاً بل وصراعاً نحو إعادة الأوضاع إلى نصابها المفقود.
هنا يأتي وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل ليُعرب كباقي العرب عن "أسفه"، إزاء عدم مشاركة ليبيا في القمّة الاقتصادية العربية، في رسالة وجّهها إلى نظيره الليبي محمّد الطاهر سيالة، وسيالة من جانبه يعلن عدم مشاركة الوفد الرسمي لبلاده في القمّة. ذلك جاء بسبب منع أمن مطار بيروت رجال أعمال ليبيين من الدخول والمشاركة في المنتدى الاقتصادي العربي، كذلك احتجاجاً على إهانة علَم بلادهم.
نعم تصاعد التوتّر خلال الأيام الماضية بين حركة أمل اللبنانية والسلطات الليبية على خلفيّة التظاهرات التى اندلعت في العاصمة بيروت، رفضاً لمشاركة الوفد الليبى في القمّة الاقتصادية، فالتصعيد الإعلامي اللبناني وإنزال العلم الليبي من أمام مقر استضافة القمّة الاقتصادية في بيروت دفع حكومة الوفاق الوطني الليبية لمقاطعة القمّة، وأعلنت حكومة الوفاق الليبية مقاطعتها للقمّة بسبب تهديدات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى للوفد الليبي الذي تمت دعوته للمشاركة في القمّة. كذلك الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الليبية بحكومة الوفاق الوطني أحمد الأربد يصرّح في بيان أنه تقرّر رسمياً عدم المشاركة على أي مستوى في القمّة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المزمع إقامتها في العاصمة بيروت وسيكون مقعد دولة ليبيا شاغراً.
هي حقيقة واقعة بعد الأربعين عاماً أن يرفض المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان مشاركة الوفد الليبي وذلك على خلفية عدم تعاون السلطات الليبية للكشف عن مصير الصدر، وستظل تتّهم فصائل شيعية لبنانية نظام القذافي بالوقوف خلف اختفاء السيد موسى الصدر ورفيقيه. وهنا عمدت عناصر من حركة أمل اللبنانية، التي يتزعمها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إلى نزع العلمَ الليبي من موقع انعقاد القمّة العربية الاقتصادية والتنموية في بيروت. وحيث يعترض بري على دعوة ليبيا للمشاركة في قمّة بيروت، معتبراً أن السلطات الليبية غير متعاونة بقضية رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى السابق ومؤسّس "أمل" السيد موسى الصدر الذي اختفى قبل عقود في ليبيا.
الغريب في كل ذلك هو ردّ الفعل الليبي، حيث دعت وزارة الخارجية الليبية، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى توضيح موقف الجامعة من التصرّفات التي قام بها لبنان كدولة مستضيفة للقمّة تجاه دولة عضو في جامعة الدول العربية. وبدوره أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن انزعاجه الشديد إزاء واقعة حرق علَم ليبيا في العاصمة اللبنانية بيروت، مؤكداً أنه من غير المقبول في أية حال من الأحوال أو تأسيساً على أية حجّة أن يتم حرق علَم أية دولة عربية، خاصة إذا ما حدث هذا الأمر على أرض عربية، وآخذاً في الاعتبار أن وجود اختلافات في الرؤى أو بواعث سياسية تاريخية معينة لا يبرّر حرق علَم عربي يمثل في حقيقة الأمر رمز الدولة وواجهتها والمعبّر عن إرادة ووحدة شعبها. وجاءت إهابة الأمين العام بسلطات الدولة اللبنانية، في ضوء تعهّداتها والتزاماتها باعتبارها الدولة المضيفة للقمّة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، بالعمل على ضمان توافر الاحترام الكامل لوفود الدول الأعضاء في الجامعة العربية المقرر أن تشارك في اجتماعات القمّة.
الحقيقة أنه كان هناك ترحيب من مختلف الدول الأعضاء بالجامعة بالطلب اللبناني باستضافة هذه القمّة، وأن هناك في ذات الوقت رغبة كبيرة في إنجاح القمّة بالنظر إلى أهمية الموضوعات التي تناقشها والتطلّع إلى أن تخرج عنها نتائج ملموسة تؤدّي إلى إعطاء دفعة قوية للعمل العربي المشترك في المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، هكذا جاء ردّ فعل الجامعة. هنا يبقى أن كل ما حدث من الجانب اللبناني وكذلك الليبي، ومعهما الجامعة، ما هي إلا نكبة تضاف لنكبات عديدة سالفة لها. لكن نكبة قمّة بيروت الاقتصادية جاءت بنسخة جديدة في بداية عقدها الخامس بين غياب لليبيا سبقها غياب الصدر.