هل ستحضر سوريا قمّة بيروت: احتمالات مُتأرجِحة
تحاول القوى السياسية الموالية لسوريا في لبنان أن تدفع باتجاه حضور الدولة الشقيقة، بمفهوم أغلبيتهم والدولة الجارة بمفهوم بعضهم، لحضور القمّة الإقتصادية في العشرين من الشهر الحالي.
منذ أن ابتدأ وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بالتوجّه إلى العواصم العربية، في العام المنصرم، ونحن نسأل السؤال حول إمكانية دعوة سوريا إلى القمّة الإقتصادية، وجاء الجواب يومها من القوى الحليفة لسوريا: "خلّيهن يقلّعوا شوكهن بإيدهن!"، والمقصود هنا، المعارضون لحضورها. ولكن يبدو أن الطوفان الذي اختبره لبنان خلال أيام العاصفة أثبت أن السيل إذا أتى سيجرف الجميع، إن لم يتّخذوا التدابير المناسبة.
في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، صرّح السفير السوري في عدّة مقابلات أن إدلب ستدخل مرحلة النصف ساعة الأخيرة. ولم يقرأ الكثيرون أن العام 2019 هو عام الحل السياسي في سوريا. لكن صدمة بدء الخروج الأميركي من سوريا كانت أكبر من أن تتحمّلها دوائرها الرسمية، فكيف بالقوى المحلية في لبنان، التي تتراكض اليوم من أجل حل أزمتين مُزمنتين لا تصبّان في مصلحة لبنان ومُستثمريه ورجال أعماله، وهما الأزمة الحكومية، وحضور سوريا إلى القمّة الإقتصادية العربية في لبنان. فالأولى ترتبط بالعلاقة الإقتصادية مع دولة سوريا، التي لن تستقبل المُستثمرين إلا من خلال القوانين الناظِمة للعلاقات ما بين البلدين، والتي وضعها لبنان في "حال إنتظار". والثانية، هي المعيار الأساسي الذي يُقاس على أساسه احترام لبنان للدولة السورية وقياداتها. ولكن يبدو أن الأخبار التي تنتشر حول لقاء ما بين رجال أعمال إمارتيين ورجال أعمال سوريين قد انتشرت رائحتها، وهي تعني تدفّق الأموال الخليجية الذي ترافق مع تدفّق السفارات العربية إلى سوريا.
هذان الأمران يقدّر رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، أهمّيتهما بالنسبة لسوريا وللبنان على حد سواء، وعليه فإن دعوة سوريا المتأخّرة لن تأتي أُكلها ، لأنه من المرجّح أن سوريا بموقعها اليوم الذي ازدادت أهميته الإقليمية بعد سنوات الصمود الثماني، لن تلبّي الدعوة المتأخّرة، حتى ولو كانت لحضور عرس. ولكن إذا ما وضِع اقتراح الرئيس بري موضع التنفيذ بتأجيل القمّة فلربما كان تنفيذ الإقتراح هو المخرج الوحيد للبنان. وإلا فسيبدو وكأن لبنان لا يريد أن يفهم الأصول والأعراف الدولية المتعلّقة بالدول المستقلّة وبناء العلاقات الإستراتيجية والإقتصادية معها. خاصة، وأن سوريا لم تكن يوماً بحاجة إلى لبنان على المستوى الإقتصادي، ولكن الحاجة السورية إلى لبنان كانت على المستوى العقائدي وخاصة في ما يتعلق بقضية تحرير الأرض والمقاومة وفلسطين. كانت سوريا بحاجة للتكاتُف الأخوي العربي مع لبنان. في حين أن لبنان كان دائماً في حاجة لسوريا على مختلف المستويات. وبالنظر خلفاً يمكن للأعمى أن يقرأ ما حدث في قضية حلف بغداد واتفاق أيار وغيرها من القرارات اليمينية المتطرّفة التي حكمت في لبنان، والتي هزمت سياساتها، التي كانت جزءاً من السياسة الأميركية في المنطقة.
كان من الممكن تدارُك الخطأ التاريخي بتوجيه الدعوة لسوريا كبلدٍ مراقب، أو كبلدٍ زائر، وهذا ما يحدث عادة في إجتماعات القمم العربية السابقة، فناهيك عن قمّة إقتصادية للدول العربية. ولربما ستأتي دعوة تونس لسوريا لحضور القمّة العربية المُرتقبة ضمن هذا الإطار، لأن سوريا لم تقرّر بعد إذا ما كانت تريد العودة إلى الجامعة العربية أم لا. والمُثير للسخرية، هو أن إعلان الدعوة التونسية بدعوة سوريا جاءت من مطار بيروت الدولي على لسان الموفد الرئاسي التونسي إلى لبنان، لزهر القروي الشابي، عندما جاء لدعوة الرئيس اللبناني ميشال عون. هذه "العودة"، التي قبل أن توجّه الدعوة إليها تواجه التشويه البشع، من خلال الإعلان بترحيب إسرائيل بعودة سوريا إلى الجامعة، والتي تحاول أن تصوّر سوريا وكأنها تلتزم بقرارات إسرائيلية! إذ أنه وبعد قتال دام لثماني سنوات ما بين سوريا وحلفائها وبالذات حزب الله وإيران، ضد إسرائيل وحلفائها من جبهة النصرة وداعش. خاصة وأن أسباب الحرب على سوريا هي نفسها الشروط التي تضعها الدول الخليجية لإقرارعودتها إلى الجامعة العربية: ألا وهي مطالبة سوريا بإخراج إيران وحزب الله من أراضيها وقطْع العلاقة معهما، وهذا ما لن يحدث أبداً.
بالعودة إلى حكومة لبنان العصيّة على التأليف حتى يومنا هذا، يبدو أن حلّ أزمتها لن يكون قبل القمّة الإقتصادية، والأمر له علاقة برغبة مُعلنه من قِبَل الرئيس الحريري بعدم التعاطي مع سوريا لأسبابٍ شخصية مع أن المصلحة الوطنية تقتضي ذلك. وهذا ما دفع بالرئيس بري إلى إعلان وجوب تأجيل القمّة، لأن المصلحة الوطنية والإقتصادية لم تعد تحتمل هذا الجفاء مع المُتنفّس الإقتصادي الوحيد للبنان؛ وهذه المعركة مع سوريا هي معركة خاسِرة ولبنان المتضرّر الوحيد منها، مع أن سوريا أبدت العديد من المواقف الإيجابية تجاه لبنان من خلال السماح للصادرات الزراعية وغيرها بالعبور إليها وعبرها إلى العديد من الدول العربية. ولذا يجب أن تنتقل العلاقات إلى مستوى أفضل لمصلحة لبنان قبل سوريا، التي لا يمكنها أن تبقى إلى الأبد "كاريتاس للبنان". وهذا ما يضعه الرئيس بري في الإطار الصحيح عندما يقول: "في غياب وجود حكومة، ولأن لبنان يجب أن يكون علامة جمْع وليس علامة طرْح"، ولكي لا تكون هذه القمّة هزيلة فإنه يرتأي أن يتم تأجيل القمّة.
في بداية العام الحالي شهدت سوريا أحداثاً متعدّدة منها تعرّض جنود بريطانيين للقتل على يد داعش. هذا الحادث سوف يستدعي تحفّظات بريطانية على وجود قوّاتها في سوريا وخاصة بعد بدء الخروج الأميركي منها. ويبدو أن جميع المسلّحين الذين احتموا بالعباءة الأميركية على الأراضي السورية يشعرون بعظيم خطر انكشافهم. وهذا ما سيشعل الحرب في شرقي الفرات من جديد وسيكون ذلك ما بين داعش وقوات قسد، والذي سينتج منه الكثير من هدر الدماء السورية. والذي سيفرض في نهاية الأمر تدخل الجيش السوري من أجل وقف هدر الدم السوري، إذ أن الجميع يعلم أن قوات التحالف لن تكون قادرة على حماية نفسها وخاصة اليوم بعد أن تجرّأت داعش وقصفتها. وستشهد الأيام القادمة قصفاً وحشياً من قِبَل التحالف سيطال المدنيين السوريين بأكثر مما يطال داعش وأخواتها. حينئذ ستتوجّه سوريا مرة أخرى إلى مجلس الأمن من أجل وقف الهجمات التي يقوم بها التحالف ضد المدنيين السوريين، والذي سيضع التسوية السياسية الأخيرة للوجود الغريب على الأراضي السورية. ولكن يبدو أن ابتعاد لبنان عن إيجاد تسوية سياسية لمسار العلاقات الإقتصادية والسياسية بينهما سيجعل لبنان الخاسِر الأكبر في معركة إعمار سوريا كما كان الخاسِر الأكبر اقتصادياً في الحرب عليها.