قراءة في موقف البشير وحصار ماكرون
في حال خروج ماكرون من سوريا على غرار ترامب، فسيخسر ماكرون أهم أوراق الحضور الفرنسي في الشرق الأوسط، أوراق كان يُناور بها الروسي، ويُساوم بها الإيراني، ويُقارع بها التركي، التركي الذي جاء كأكبر الرابحين من قرار انسحاب الجيش الأميركي من سوريا.
من المؤكّد أن الجميع تخلّى عن الرئيس السوداني عمر البشير سواء كان شعباً أو شرطة أو جيشاً... الخ، ولكن الأهم وقبل كل هؤلاء هو تخلّي التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين عنه، سواء الداعمين مادياً (تركيا، قطر) أو المُحرّكين (بريطانيا)، فهم يعملون على التخلّص من كارت عمر البشير المحروق سياسياً وجماهيرياً، فصلاحيته انتهت منذ فترة لولا مراوغات البشير بالأعوام الأخيرة، والعمل على تصعيد حسن الترابي بدلاً منه، أي استبدال كروت الإخوان ببعض، حزب المؤتمر الشعبي(الترابي) بدلاً من حزب المؤتمر الوطني (البشير)، وعندما أدرك البشير ذلك خرج أغلب أبناء وزوجات المُقرّبين والمسؤولين من مطار الخرطوم على طائرات خاصة نحو ماليزيا ودبي وبكين أول أمس.
ماذا ينتظر السودان في الغد؟ هل ستنجح خطّة عودة الترابي كما يريد التنظيم الدولي للجماعةّ؟.
كل تلك الأمور سيُجاب عليها في الساعات القادمة، ويبقى المؤكّد أن السودان لن يبقى كما كان.
وعلى صعيد الميدان السوري، يتساءل الجميع مَن أكبر الخاسرين من انسحاب الجيش الأميركي من سوريا والذي قد يتّجه نحو أربيل؟، وحقيقة الأمر بالميدان الخاسِر الأكبر هم الكرد كالعادة، ومَن راهنوا عليهم مؤخّراً بعد أن تكفّلوا بدعمهم مادياً، ومن قبلهم وهذا ما نتعمّد تسليط الضوء عليه بحكم عدم وضوح تلك الزاوية من المشهد، هو الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون الذي سيكتشف قريباً أنه مُجبر على ملء فراغ الأميركي، في حال عدم إتمام خطة الخليجي في تواجد قوّة خليجية أو عربية تحلّ مكان القوات الأميركية المُنسحبة من سوريا.
وهذا أمر صعب على ماكرون بأن يعزّز تواجده في سوريا بقوات إضافية أخرى في وقت هو يستعدّ فيه لإطلاق مشروع "الجيش الأوروبي الموحّد"، وفي الوقت الذي تشهد فيه بلاده حالة اضطرابات غير مسبوقة قد تحتاج لتدخّل الجيش في أي وقت. فماكرون الآن مُحاصَر في باريس من السترات الصفراء وفي سوريا بالأزمات، الأزمات التي قد تزيد من استنزاف اقتصاده المُستنزَف بالأساس.
وفي حال خروج ماكرون من سوريا على غرار ترامب، فسيخسر ماكرون أهم أوراق الحضور الفرنسي في الشرق الأوسط، أوراق كان يُناور بها الروسي، ويُساوم بها الإيراني، ويُقارع بها التركي، التركي الذي جاء كأكبر الرابحين من قرار انسحاب الجيش الأميركي من سوريا، فالكرد باتوا أمامهم كالعراة، والأهم حال اللطف الأميركي لأردوغان بالساعات الأخيرة، بعد أن أبلغته واشنطن بتقديم منظموات الباتريوت له والأهم هو إعادة النظر في أمر الداعية فتح الله غولن المُقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية.
لكن هذا لا يعني أن أمر هجوم الجيش التركي على الكرد سهل، وأعتقد أن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار سيتريّث كثيراً قبل القدوم على مثل تلك الخطوة.
خلاصة القول إن انسحاب ترامب من سوريا هو أكبر ضربة لفرنسا التي تمرّدت على واشنطن في ملف النووي الإيراني، ثم أعادت إحياء "مشروع الجيش الأوروبي الموحّد"، وهي آخر هدية لموسكو في عام 2018، ويكفي لترامب أن على أثر ذلك القرار تخلّص من آخر وجوه الدولة العميقة بإدارته بعد استقالة وزير الدفاع الأميركي جيميس ماتيس كي يحقّق مكسب داخلي آخر لصالح زوج إبنته جاريد كوشنر الذي لا يبدو أنه تمّ تقليص نفوذه داخل البيت الأبيض.