جعبة إسرائيل بعد هزيمة غزَّة

لابدّ من التكهّن بأنها ستعمد إلى استيراد معدّات وأنظمة وأسلحة تكون قادرة على الردع لهذه المنظومة الحديثة، وباعتقادنا أن أميركا تعمل على ذلك حتماً، رغم انشغال الأخيرة بقضايا كثيرة تخصّها، فحماقات ترامب قد فاضت على الأميركيين، ولكن محور المقاومة المُتمثّل بإيران وسوريا وحزب الله والعراق أولى أولوياتها، فلا بدّ من تفكيكه.

تغيُّرات المشهد على الأرض الفلسطينية والعربية أثبت أن الإنسان العربي المقاوِم لم ولن يستكين

منذ الانتداب البريطاني على فلسطين، كانت الخطّة بالتمهيد لليهود لإقامة وطنهم المزعوم فمَن ينسى "آرثر بلفور" حين قال "إن حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامةِ وطنٍ قومي في فلسطين للشعب اليهودي"، لتكون ولادة دولة إسرائيل منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 لتتبعها أحداث كثيرة حتى نكبة حزيران عام 1967واحتلال إسرائيل (لهضبة الجولان وسيناء وقطاع غزَّة والضفة الغربية والقدس الشرقية)، لتتابع إسرائيل حربها في لبنان وتُغير على منظمة التحرير الفلسطينية، وتتوالى الاعتداءات على المنظمة والشعب الفلسطيني، ففي عام 1982 ارتكبت إسرائيل مجزرة صبرا وشاتيلا المروِّعة.

إسرائيل تستمر في طغيانها تجاه المقاومة في فلسطين، فالحصار للغزَّاويين والتضييق على الأونروا (منظمة الإغاثة للاجئين الفلسطينيين) بمساعدة أميركا الأمّ الحنون، كل هذا تنفيذاً لبنود "صفقة القرن" التي أعدّها ترامب ونتنياهو ودول عربية، والتي هي استكمال لمُعاهدات واتفاقيات منذ 1948، لتتماشى سياساتها وأهدافها مع إسرائيل في محاولةٍ لفرض الوجود الإسرائيلي عبر التطبيع بكل أنواعه، وما شهدته الساحة العربية من زياراتٍ بين إسرائيل والبحرين وسلطنة عُمان وغيرها من البلاد العربية، ما هو إلا مؤشِّر على تنفيذ ما تضمّنته "صفقة القرن".

العدو الإسرائيلي وفي الحرب السورية، كان من أشدِّ المُشجّعين على ما يحصل في بلد يعدّه منذ حرب تشرين البلد الذي لابدّ من كَسْرِ شوكته، عبر غاراتٍ عديدةٍ يشنّها وحليفته أميركا على الأراضي السورية، لأنه الداعِم الأول لحركات المقاومة.

إسرائيل ووفق غرورها السياسي والعسكري، استهانت بمحور المقاومة، ورغم الصِعاب التي مرَّت بها فصائل المقاومة إلا أنها كانت تعود وتلتحم، وذلك لأن ما شهدته الساحة لا يحتمل التشكيك بأن إسرائيل لا يمكن أن تكون يوماً من الأيام في أيّ مسارٍ سياسي يقود إلى السلام الشامل.

وما معركة غزَّة الأخيرة التي لُقِّن فيها الجيش الإسرائيلي معنى الاستهزاء بمحور المقاومة، إلا غيضٌ من فيض، فكانت الغرفة المشتركة للمقاومة الفلسطينية مقرّاً لتحقيق النصر المقاوِم، وما قاله السنوار في أعقاب الانتصار شكَّل لدى القادة الإسرائيليين مُفاجأة كبيرة حيث قال "نحن في غزَّة لن يلقى الاحتلال منا إلا البارود والنار ولن يجدوا منا إلا الموت".

وكان لتقديم ليبرمان وزير الحرب الإسرائيلي استقالته مؤشّر واضِح للهزيمة والاختناق الذي حصل من معركة المقاومة الفلسطينية في غزَّة، والفوضى الكبيرة في الشارع الإسرائيلي تنديداً بالموافقة على الهدنة.

إسرائيل مُضطرِبة

إسرائيل وبعد تسلّم سوريا صواريخ S300 من روسيا الحليف القوّي، تتخبَّط في مكانها لأنها لم تعد قادرة على تنفيذ طلعاتها الجوية العدوانية، وباتت في حالٍ من عدم التنفيذ العسكري الذي كان يُعطي للجيش الإسرائيلي الدعم والقوّة، وللمستوطنين الإسرائيليين الذين يثقون بحكومتهم على مدى هذه السنوات، فـالمعروف عن المواطنين الإسرائيلي بمخافتهم من الحرب النفسية التي تبدأ فور سماعهم لخطاب السيّد حسن نصر الله سيّد المقاومة اللبنانية، وما جرى مؤخّراً من المقاومة الفلسطينية وخطاب السيّد يحيى السنوار، فقد أرق مضجع جميع الإسرائيليين قادة ومواطنين.

ماذا تُخفي إسرائيل بعد هذه التطوّرات التي ليست لصالحها.

لا يتنازع إثنان على أن الحكومة الإسرائيلية لن تقف مكتوفة الأيدي، فإذا ما أخذنا أولاً صواريخ S300، نسأل ما هو الحل الذي ستتّخذه إسرائيل لتردع هذه القوّة الصاروخية؟

ولابدّ هنا من التكهّن بأنها ستعمد إلى استيراد معدّات وأنظمة وأسلحة تكون قادرة على الردع لهذه المنظومة الحديثة، وباعتقادنا أن أميركا تعمل على ذلك حتماً، رغم انشغال الأخيرة بقضايا كثيرة تخصّها، فحماقات ترامب قد فاضت على الأميركيين، ولكن محور المقاومة المُتمثّل بإيران وسوريا وحزب الله والعراق أولى أولوياتها، فلا بدّ من تفكيكه.

أما ما يخصّ صواريخ المقاومة "الكورنيت" والتي كانت مُفاجئة لقادة الحرب الإسرائيليين، فستعمد أيضاً إلى النَيْل منها، عبر استكمال هجومها على المقاومة، فالغرفة المشتركة للقادة في المقاومة الفلسطينية من أولوياتها أيضاً.

ليتبيّن لنا أن المساحة التي تقلق القادة الإسرائيليين قد اتّسعت وأصبح لديها من الأزمات العسكرية الكثير لتعمل عليه.

فقد برز لهم أن ما كانوا قادرين عليه لم يصبح وارداً في ظلّ هذا التطوّر العسكري والميداني لمحور المقاومة، فـالحسابات العسكرية قد تغيَّرت وموازين القوى قد تبدَّلت.

تغيُّرات المشهد على الأرض الفلسطينية والعربية أثبت أن الإنسان العربي المقاوِم لم ولن يستكين، فالنصر يحتاج إلى تعزيز جميع القوى لتحقيقه، وباتت إسرائيل مع هذا المحور المقاوِم في حالٍ من الغليان العقلي لجهة إضعافه، فعلى مرور السنوات بات الإسرائيلي يُدرِك أن المنطقة العربية لم تعد كما كانت، فـالشعوب قد أصبحت أقوى وأكثر إدراكاً وتفتّحاً لخفايا الأمور.