الكاميرا المقاتلة وتأثيرها في المعركة
كان صاروخ "الكورنيت" الذي دمَّر وأحرق حافلة للجنود الإسرائيليين ووثّقته المقاومة بكاميراتها، وأصاب جندياً بجراحٍ خطيرة محطّ نقاش واسع في الأوساط الإسرائيلية في ظلّ وجود عددٍ كبيرٍ من الجنود قرب الحافلة، وأن المقاومة كانت قادرِة على استهدافهم ما خلق عاملاً حاسماً ثانياً في التأثير على معركة الـ40 ساعة. ويمكن القول: إن صوَر الصاروخ الجديد و«الكورنيت» كوّنا صورة الانتصار الذي حقّقته المقاومة بجانب نشر صوَر كمين العَلم الملغّم والذي وقع خلال قبل أربعة أشهر، لتصل رسائل المقاومة للاحتلال بأنها تمتلك من الأدوات والوسائل ما تستطيع به تغيير مسار المعركة وهزيمته.
في عالم التكنولوجيا المتطوّرة وثورة الإنترنت باتت الصورة تلعب دوراً مركزياً في تشكيل وعي الناس وتغيير مواقفهم، خاصة إنها خرجت عن نطاق سيطرة المؤسّسات الحاكِمة ووزارات الإعلام. فبمقدور أيّ شخص التقاط صورة ثابتة أو متحرّكة عبر هاتفه الخلوي ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يشاهدها ما لا يُحصى من أصحاب حسابات التواصل والذين بدورهم يفعلون خاصية المشاركة لتصل إلى مزيد من الناس، ويمكن للصورة نتيجة وقعها ودلالاتها أن تبثّها وسائل الإعلام التقليدية وأن تؤثّر على أصحاب القرار وتغيّر من فهمهم وتقييمهم للسياسيات والقرارات التي اتّخذت في دوائر الحُكم.
ربما تكون الصورة في وقت الحرب والمواجهة العسكرية ذات تأثير غير محدود يمكن أن يحسم نتائج المعركة الدائرة ويحوّلها في غير الاتجاه التي تجري فيه، وفي الصراع مع الاحتلال أضحت الصورة لاعباً مركزياً في حسم جولات المواجهة المختلفة وكيّ وعي العدو. ولأهمية الصورة في زمن الحرب حرص هذا العدو على الوصول إلى صورة النصر التي يوقف فيها الحرب في صورة المُنتصر، وهو اعتبر أن اغتيال الشهيد وزير الداخلية سعيد صيام في حرب 2008- 2009 واغتيال الشهداء قادة القسّام الثلاثة محمّد أبو شمالة ورائد العطار ومحمّد برهوم في عدوان 2018 المشهد الأنسب لتوقّف العدوان، لكن صورة اقتحام المقاومة لمواقع عسكرية إسرائيلية عبر البر والبحر وقتل جنود ثم سقوط عشرات الجنود على الحدود وأسْر بعضهم بدّد هذه الصورة وخلق وعياً معاكساً للإسرائيليين.
في عدوان 2006 على لبنان حاول جيش الاحتلال الوصول إلى صورة النصر برفع العَلَم الإسرائيلي في بنت جبيل، في نفس المكان الذي خَطَب فيه السيّد حسن نصر الله بعد الاندحار الإسرائيلي في 2000 من الشريط الحدودي. وقال فيه إن «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» وقد أتت على ذلك الباحثة في مركز دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب فنينا شوكر، في دراستها التي نشرتها مجلة المعلومات والأمن في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي بعنوان "المعركة على الوعي – حرب لبنان الثانية «2006» نموذجاً"، وأشارت فيها إلى أن رئيس الأركان دان حلوتس الذي استقال بعد نهاية الحرب طلب من قواته أخذ صورة النصر في بنت جبيل ولو لثوانٍ معدودة، وهي الصورة التي كلّفت جيش الاحتلال 18 قتيلاً وباتت بلا تأثير في ضوء ذلك، وانقلبت الصورة بكمائن حزب الله وصورة النصر في عرض البحر وتدمير سفينة حربية إسرائيلية بصاروخٍ موجَّه.
في ضوء ذلك من الأهمية فَهْم الصورة في المواجهة المُتتالية مع الاحتلال، وكانت مواجهة الـ40 ساعة في 12 و13 من الشهر الحالي مؤشّراً إلى الانعكاس الواسع للصورة على نتائج المعركة وامتداداته. وقد برزت ثلاث صوَر متحرّكة "فيديو" حسمت النتيجة لصالح المقاومة، وهي صاروخ جحيم عسقلان وصاروخ الكورنيت وكمين العَلم، والتي لعبت دوراً حاسماً في إجبار العدو على وقف عدوانه، فمشاهد الصورايخ الجديدة التي ضربت عسقلان أحدثت تحوّلاً استراتيجياً في التصدّي لعدوان الاحتلال من جهة:
أولاً: الدمار الكبير الذي أوقعه في عسقلان.
ثانياً: إيقاع عشرات الإصابات بين المستوطنين بجراحٍ مُتفاوتةٍ بجانب قتيلٍ واحدٍ.
ثالثاً: نجاحه في تخطّي القبة الحديدية التي لم تستطع إسقاطه.
رابعاً: إطلاقه بشكلٍ مُتزامنٍ إلى عسقلان (أربعة دفعة واحدة).
خامساً: أحدث رُعباً وخوفاً بين المستوطنين ليس حين سقوطه بل قبل ذلك بصوته القوّي.
سادساً: رسّخ نتيجة لكل ذلك معادلة توازن الردع وكان سبباً أساسياً في قرار الاحتلال وقف إطلاق النار.
سابعاً: أعاد حسابات الاحتلال ففي 51 يوماً من عدوان 2014 مقارنة بـ40 ساعة أطلق خلالها 500 صاروخ وهي عُشر ما أطلِق في عدوان 2014.
أخيراً: إدراك العدو أن المقاومة طوَّرت من أدواتها ولم تُفصح عنها، وفي النهاية كانت النتيجة وقف العدوان رغم الأرقام التي نُشرِت في الإعلام الإسرائيلي عن حجم الدمار الذي أوقعه الصاروخ الجديد.
وفي نفس السياق كان صاروخ "الكورنيت" الذي دمَّر وأحرق حافلة للجنود الإسرائيليين ووثّقته المقاومة بكاميراتها، وأصاب جندياً بجراحٍ خطيرة محطّ نقاش واسع في الأوساط الإسرائيلية في ظلّ وجود عددٍ كبيرٍ من الجنود قرب الحافلة، وأن المقاومة كانت قادرِة على استهدافهم ما خلق عاملاً حاسماً ثانياً في التأثير على معركة الـ40 ساعة. ويمكن القول: إن صوَر الصاروخ الجديد و"الكورنيت" كوّنا صورة الانتصار الذي حقّقته المقاومة بجانب نشر صوَر كمين العَلم الملغّم والذي وقع خلال قبل أربعة أشهر، لتصل رسائل المقاومة للاحتلال بأنها تمتلك من الأدوات والوسائل ما تستطيع به تغيير مسار المعركة وهزيمته.
تزداد أهمية الصورة باستمرار مع السهولة التي يجري فيها إلتقاطها ونقلها لكل مكان، ويمكن لصورة واحدة أن تحسم أية معركة وتُعيد التفكير مُجدّداً لدى العدو بجدوى أيّ عدوان. وكانت مواجهة الـ40 ساعة نموذجاً واضحاً لذلك، ومن هنا فإن الكاميرا المُقاتِلة باتت جندياً حاسِماً في المعركة بجانب المُقاتل الذي يحملها والآخر الذي يخوض المعركة، فمُصاحبة الكاميرا للمُقاتل أضحت في القرن الـ21 سلاحاً استراتيجياً لا يحسم فقط المعركة بل يرسم من جديد الخارطة السياسية وموازين القوى وعاملاً قوياً في التفاف الناس حول المقاومة وتجديد ثقتهم بها باستمرار.