"مُعادلة العدّ العكسي للحربِ على اليمن"

المتوقّع في خضمّ معادلة العدّ العكسي للأزمة اليمنية أن يقوم المسؤولون الأميركيون بعمل إجراءات وتحرّكات سياسية ودبلوماسية كي يبعدوا الولايات المتحدة الأميركية عن الحرب اليمنية من خلال اتّخاذ واشنطن إجراءات عقابية بحق الرياض وأبو ظبي، وهذا ما نلاحظه من خلال التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين وآخرها ما صرَّح به رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي: أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة في اليمن. وأيضاً ما قاله السيناتور إليزابث وارن: لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية الاستمرار في دعم الحرب في اليمن أو بيع الأسلحة للسعودية.

المجتمع الدولي يُلاحظ أن الشعب اليمني يُقتَل بوحشيةٍ فلا يحرِّكُ الإعلامُ الدولي ساكِناً

عامٌ بعد عام تتضحُ معالمُ الأزمة اليمنية على الساحة الإقليمية والدولية، وتتمخّضُ الرؤية السياسية للرأي العام وفقاً للمُعطيات والإحصائيات الأولّية على الساحةِ العسكريةِ وخُصوصاً معركة الساحل الغربي والحملات العسكرية والمخابراتية، من أجل كَسْر المعركة وفرض شروطٍ تعكس معادلة القوّة التي تريدها السعودية والإمارات، وتحقّق أهدافها التي تسعى إليها منذ بداية الحرب.

ومنذُ دخول اليمن ضمن معادلة العدّ العكسي نلاحظُ الكثير من تصريحات رؤساء دول كبرى حول إنهاء الحرب في اليمن، والدخول في مشاوراتٍ جديدةٍ بين جميع الأطراف، وهكذا نرى أنه قد تكون حرب اليمن قد اقتربت من نهايتها لأول مرة منذُ اندلاعها وشنّ العدوان السعودي الأميركي حربه بحجّة إعادة الشرعية، فلأول مرة تستفيق المُستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على الكارثة اليمنية فتصفها بأنها "أسوأ كارثة إنسانية على وجه الأرض". وتحدّث الرئيسان الفرنسي والأميركي عن إمكانية أن تُتيح قضية مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي فرصةً للتوصّل إلى حلٍ سياسي في اليمن. وقام وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت بزيارةٍ إلى كلٍ من السعودية والإمارات للضغط من أجل إنهاء الحرب في اليمن. 

وخلال متابعة التصريحات الدولية نلاحظ أن الرئيس الأميركي ترامب أقلّ المُهتّمين بإنهاء حرب اليمن كون هذه الحرب تشكّل حافِزاً للسعودية لشراء المزيد من الأسلحة الأميركية. وباعتبار أن الدعم الأميركي والمال السعودي يستطيعان كبح جماح الانتقادات الدولية لما يُسمّى بأسوأ كارثة إنسانية في العالم على الإطلاق، بحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش. 

وهكذا تستمر التصريحات والتقارير الدولية حول وقف الحرب على اليمن ونلاحظ عدداً كبيراً من الأعضاء في الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في الكونغرس بدأوا يتحدّثون عن ضرورة وقف الدعم الأميركي للسعودية في حربها على اليمن. كما أن 30 مسؤولاً أميركياً في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بعثوا برسالةٍ إلى البيت الأبيض، يُقرِّون فيها بخطأ التدخّل العسكري في اليمن، داعين إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب إلى وقفه. 

وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن المسؤولين اعترفوا في الرسالة بدورهم ومسؤوليّتهم عن التدخّل الأميركي في الحرب المُدمِّرة التي يعيشها اليمن، داعين إدارة دونالد ترامب إلى وقف هذا التدخّل.

أكثر من 1300 يوم من العدوان كفيلةٌ بأن ترسم معادلة العدّ العكسي لإنهاء الحرب الدولية على اليمن فقد حصدت أرواح الكثيرين من أبناءِ الشعب اليمني، أحالت بعضهم إلى أشلاء، وبعضهم الآخر يعاني من آثار إجرام طائراتهم على جسده، ومن تبقّى منهم يعاني ويلات الحِصار والوضع الإقتصادي المُتردّي.

لم يعُد خافياً على أحد أَنَّ ما يُمارَسُ في اليمن جرائمُ حربٍ بمعنى الكلمة، فالأرقام والإحصائيات للتقارير المحلية والدولية تقطعُ الشكَّ باليقين ولا تدعُ مجالاً للاختلاف. فبحسبِ المركز القانوني اليمني للحقوق والتنمية فإنَّ 15 ألف و185 شهيداً، سقطوا جرّاء الغارات المتواصلة على مختلف المحافظات اليمنية و23 ألف و822 جريحاً لا زالوا يعانون من قلّة الأدوية والمُستلزمات الطبية بسبب الحِصار.

و160 ألف مواطن من ذوي الأمراض المُزمِنة استشهدوا أيضاً جرّاء الحِصار وانعدام الخدمات الطبية المُتكامِلة، ووفاة ما يُقارِب الـ2200 يمني بمرض الكوليرا وفقاً لما أكّدتهُ تقارير الصحّة العالمية واليونسيف، ووجود أكثر من 4 ملايين نازِح ومُشرّد.

عدا استهداف البنية التحتية والمُنشآت الحكومية والخاصة، والمؤسّسات الخدمية ومنازل المواطنين، غير أنَّ هذه الأرقام لا تمثّل الحصيلة النهائية للشهداء والجرحى والمُتوفين والمنشآت المدنية والخدمية والإنتاجية المُدمّرة أو المُتضرّرة، ذلك بسبب عدم وجود لجنة تحقيق دولية تطلّع على حجم الكارثة في اليمن.

واليوم المجتمع الدولي يُلاحظ أن الشعب اليمني يُقتَل بوحشيةٍ فلا يحرِّكُ الإعلامُ الدولي ساكِناً، ولا تتحرَّك المنظمات الدولية والإقليمية لتقوم بمسؤوليتها الحقوقية والقانونية والإنسانية. ونرى أنه لم تُول قضية ومظلومية اليمن أيةُ أهميةٍ في أروقة الإعلام الدولي الخاضع لسياسة الدول الكبرى، فكمْ من المجازر بحق الشعب اليمني كفيلة بأن توقف مهزلة الحرب إن فُعّلت من قِبَل الإعلام الدولي، ولكن عبثاً، فهذا إعلامٌ لا يتحرَّك للانتصاف للشعوب المظلومة بل لخدمة سياسة البترودولار فحسب. 

والمتوقّع في خضمّ معادلة العدّ العكسي للأزمة اليمنية أن يقوم المسؤولون الأميركيون بعمل إجراءات وتحرّكات سياسية ودبلوماسية كي يبعدوا الولايات المتحدة الأميركية عن الحرب اليمنية من خلال اتّخاذ واشنطن إجراءات عقابية بحق الرياض وأبو ظبي، وهذا ما نلاحظه من خلال التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين وآخرها ما صرَّح به رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي: أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة في اليمن. وأيضاً ما قاله السيناتور إليزابث وارن: لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية الاستمرار في دعم الحرب في اليمن أو بيع الأسلحة للسعودية.

ونلاحظ استمرار الضغوط الدولية من أجل وضع خطّة أو مسودّة للبدء بتنفيذ الإجراءات الأوّلية للمشاورات وهذا ما نقلته رويترز عن مصادر في الأمم المتحدة: أن لندن وواشنطن تعملان على صوغ مسودّة قرار تدعو إلى وقف القتال في اليمن، وهذه التصريحات ربما توضح معالم معادلة العدّ العكسي للأزمة اليمنية وأبعادها السياسية والديمغرافية، ولعلّ آخر التقارير الدولية ما صرَّح به أكثر من 50 برلمانياً من دولٍ أوروبيةٍ عدّةٍ بمُطالبة فورية لوقف إطلاق النار في اليمن وعودة أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات.

إذاً هذه معالم الرؤية للأزمة اليمنية ومعادلة العدّ العكسي، حيث نلاحظُ من خلال التقارير الدولية والتصريحات لرؤساء دول كبرى عن جدّية إنهاء الحرب في اليمن والبدء بالمفاوضات بين جميع الأطراف وهذا ماهو متوقَّع في الفترات القادمة. فهل يا تُرى تُترجَمُ هذه القرارات الدولية وتخرج من أروقة الإعلام إلى تطبيقٍ عمليٍ لها على أرض الواقع.