التطبيع وتجميل وجه إسرائيل
هل يمكن لهذه اللقاءات أن تحقّق شيئاً من مصالح العرب والمسلمين، أم إنها لمصالح ضيّقة وخاصة؟ هل يمكن لها أن تدفع باتجاه حقوق شعبنا الفلسطيني المسلوبة؟ أم إنها وبالتأكيد مُجرّد إنجاز كبير وآخر وهدية عربية مجانية أخرى لسياسات حكومة اليمين في الكيان الإسرائيلي والرافِض لفكرة وجود الفلسطينيين، وهل هذا التطبيع سيجعل وجه إسرائيل القبيح جميلاً؟
منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدّة الحُكم ونحن نشاهد تسارُعاً غير مسبوق في التطبيع مع العدو الإسرائيلي الطفل المُدلّل لأميركا في المنطقة، فأصبحنا نلاحظ غراماً عربياً بشكلٍ يثير الإستهجان بالعدوّة إسرائيل والتماهي غير المحدود، وكأننا نشهد ولادة مرحلة جديدة بالصراع العربي الإسرائيلي من الانتقال من الصراع والحفاظ على الهوية ومُقدّساتنا وقضية اللاجئين إلى الإنقضاض على قضيتنا المُحقّة بمساعدة بعض الدول العربية، في ظلّ الفوضى الخلاّقة التي ينشرها الكيان الإسرائيلي في منطقتنا العربية.
فمنذ أيام شاهدنا هذا الصخب الإعلامي لزيارة المُجرم قاتِل الأطفال نتنياهو وزوجته سارة ومعهما رئيس الموساد يوسي كوهين ومستشار الأمن القومي مائير بن شابات لسلطنة عُمان بعد دعوة رسمية من السلطان قابوس، وعَقْد لقاءات مُعمّقة ومطوّلة في مسارات أمنية وسياسية، تضمّنت على ما يبدو موضوع صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية وتعميق العلاقة بين الكيان المحتل والدول العربية، لعلّه غابت عن هذه الاجتماعات المجازر الصهيونية بحق شعبنا الفلسطيني طوال 70 عاماً، وغابت عن المشهد أيضاً المجازر التي ارتكبها الإحتلال في لبنان إلى الإعتداءات المستمرة على سوريا ومحاولة تفتيتها، إلى صفقة القرن وإعلان القدس عاصمة لكيان الإحتلال والإنقضاض على حق العودة، لتُنسى إنجازات الكيان الإسرائيلي الدموية والإرهابية ليحلّ محلها التطبيع وبناء العلاقات معه، ففي السابق كانت لقاءات التطبيع العربية "الإسرائيلية"، رهينة التسريبات الإعلامية، لكنها اليوم خرجت بشكلٍ فاضحٍ من السرّ إلى العلن. إذ لم تعد هذه الأنظمة تخجل من أفعالها، بل تهرول مُقدمةً قرابين الولاء والطاعة لـ"تل أبيب"، ففي الوقت الذي كان فيه قنّاصة الاحتلال يسفكون الدم الفلسطيني في غزّة والضفة، كانت ذراعا سلطان عُمان مفتوحة على مصراعيها مُرحّبة برئيس حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" نتنياهو وعقيلته في العاصمة مسقط. تلك الكوميديا السوداء لم تتوقّف عند عاصمة من دون أخرى، فسعار التطبيع "نبح" في عدّة عواصم عربية متنقلّاً بين المنامة وأبو ظبي ومسقط، وغيرها ممن ما يزال "يستتر".
ردود الفعل للعدو الإسرائيلي المُرحّبة بالتطبيع:
الفرحة التي عمّت على قلوب الزائرين تكاد لا تُقدّر بثمن وظهرت هذه الفرحة جلية في تغريدة للمُجرِم نتنياهو على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، حيث قال فيها "عدت يوم الجمعة من زيارة دبلوماسية تاريخية إلى سلطنة عُمان حيث التقيت الزعيم العُماني السلطان قابوس بن سعيد، إنه زعيم صاحب خبرة طويلة ومُبهِر جداً. هذه هي الزيارة الأولى لإسرائيل في عُمان منذ 22 عاماً وهي تأتي على خلفيّة جهود دبلوماسية بذلتها خلال السنوات الأخيرة إزاء الدول العربية".
وبدوره أيضاً قال وزير التعليم في كيان الإحتلال نفتالي بينت في تغريدة له إن "زيارة رئيس الحكومة إلى سلطنة عُمان تشكّل انطلاقة سياسية هامة، وهي جزء من الإستراتيجية الإقليمية لإسرائيل".
أما التعليق الذي يُثير الإشمئزاز ويضع علامات استفهام هو تعليق مُعلِّق الشؤون العربية روعي قيس في قناة "كان" الإسرائيلية، حيث غرّد على التويتر قائلاً "الأمر الذي يُثير الجنون أن العمانيين كشفوا عن اللقاء على تلفزيونهم قبل إصدار بيان مكتب رئيس الحكومة نتنياهو: ببساطة الأمر رائع".
ما تحمله الزيارة من دلالات للمنطقة وقضيتنا الفلسطينية:
زيارة نتنياهو إلى مسقط تحمل دلالات خطيرة، والتطبيع من البوابة الخليجية يُثير علامات استفهام كبرى، وهناك خشية من أن تفتح زيارته قناة مفاوضات جديدة، فالكيان الصهيوني يسعى لإحداث خلاف بين الدول العربية بضغط من واشنطن لإتاحة مساحة تحرّك للصهاينة لإيجاد مشاكل جديدة تعمّ في المنطقة العربية، كما أن هذه الزيارات تحمل في طيّاتها نسفاً لمبادرة السلام العربية الميتة أصلاً، وللتغطية على جرائم الإحتلال بحق شعبنا، وكل ما يحدث هو تطبيق صريح لخطة نتنياهو- كوشنير - غرينبلات وأهم بنودها فتح علاقات مع الدول العربية وإسرائيل وتمرير صفقة القرن وكل ما نراه ونسمعه الآن هو تطبيع مجاني مع عدو لا يحترم الحقوق الفلسطينية ولا العربية.
مفهوم بسيط للتطبيع:
التطبيع يعني القبول بالهزيمة قبولاً عن طيب خاطر ونيّة حسنة، وفتح الباب على مصراعيه أمام قاتِل ومجرِم ومُغتصِب لفلسطين، إذ كيف نتناسى أن "إسرائيل" كيان قتل الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني والعربي، وهدم مئات القرى وارتكب المجازر فيها، وتعجّ سجونه بآلاف الأسرى، فيما ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ينتظرون العودة، ليجني ثمار إرهابه ويظهر أمام العالم بأنه الودود والمُتحضّر، فهذه اللقاءات والزيارات مع هذا الكيان المجرم تحت شعار "السلام" أو غيره، تمنح الكيان الصهيوني مخرجاً لأزمته الذي وضعته فيه المقاومة والانتفاضة، وتشجّعه على قتل المزيد من الفلسطينيين وتساهم في تغلغل ثقافته العنصرية والإلغائية إلى الدول العربية والإسلامية وإلى العالم بأجمعه، كما وأن التطبيع مع العدو أو مع فئات من مجتمعه قد يشجّع فئات مجتمعية أخرى، في الدول العربية والإسلامية، على انتهاج هذا المسار الخطير، بحجّة البحث عن السلام والتعايُش بين الشعوب، وبالتالي التخلّي عن الحسّ العربي والإسلامي والقومي العروبي الأصيل في التعامل مع العدو ومجتمعه، والذي تبلور على مرّ التاريخ.
وأخيراً هل يمكن لهذه اللقاءات أن تحقّق شيئاً من مصالح العرب والمسلمين، أم إنها لمصالح ضيّقة وخاصة؟ هل يمكن لها أن تدفع باتجاه حقوق شعبنا الفلسطيني المسلوبة؟ أم إنها وبالتأكيد مُجرّد إنجاز كبير وآخر وهدية عربية مجانية أخرى لسياسات حكومة اليمين في الكيان الإسرائيلي والرافِض لفكرة وجود الفلسطينيين، وهل هذا التطبيع سيجعل وجه إسرائيل القبيح جميلاً؟.