ساستنا بين المحاور والمصالح
يندر أن تجد منطقة في العالم تخلوا من قوى متنافسة بينها على فرض النفوذ واكتساب المصالح وجذب أكبر عدد ممكن من الدول إلى جانبها. يزداد هذا التنافس كلما زادت أهمية المنطقة من حيث كثرة ثرواتها وتأثير موقعها على حركة التجارة العالمية، وطرق المواصلات ووجود للشواطئ البحرية أو سيطرتها على المضائق البحرية وامتلاكها لقوّةٍ عسكريةٍ واقتصادية.. فكيف الحال إن احتوت على عددٍ من تلك الأمور!
ما هو موقف بقيّة الدول التي تقع قرب أو ضمن تأثير هؤلاء المتنافسين؟!
لكي ينجح " الضعيف" في العيش ضمن صراعات النفوذ يجب عليه أن يتّخذ خياراً من إثنين.. فإما أن يختار أحد المحاور القوية، إن كان هو ضعيفاً جداً ولا يمتلك ما يناور به المتصارعين الأقوياء، ولا يمتلك أية صلات مع جهة من دون أخرى أو يكون وسطاً بين تلك المحاور قدر الإمكان.. وكلا الخيارين معيارهما الوحيد هو حفظ مصالح بلده وشعبه.
أين العراق من كل هذه المحاور المتصارعة في منطقة الشرق الأوسط؟!
قبل أن نفكّر في الخيارات المُتاحة لنا كدولة لنتساءل لما طالبت المرجعية ساستنا ، بعدم الميل لأي محور؟ ولما أكّدت على تشكيل الحكومة خصوصاً بعيداً عن سياسة المحاور تلك؟!
ربما يتّفق كلنا وعن تجارب سابقة على عمق تفكير ووضوح رؤية المرجعية للأمور ، فهي ترى أفضل من غيرها ، بحُكم عدم وجود مصلحة ذاتية لها في أيّ موقف تتّخذه.. بالتالي فإن ما تطرحه كمطلب أو " نصيحة" يستهدف أولاً مصلحة العراق كدولةٍ وشعب.
في منطقتنا هناك محوران واضحان أولهما المحور الأميركي وتوابعه من دول الخليج، والآخر هو المحور الإيراني, وما بينهما تقف تركيا وروسيا، انتظاراً لأية فرصة يمكن أن تحقّق لهما مصلحة هنا أو موطئ قدم هناك.. وللعراق مع كلا المحورين روابط والتزامات وما بينهما من محدّدات ومؤثّرات.
القوى السياسية في العراق في معظمها تميل مع هذا المحور أو ذاك أو في الأقل تتماهى مع ما يطرح من أجندات للمنطقة عموماً إلا ما ندر.. ونتائج الانتخابات أفرزت قوّتين كبيرتين من حيث عدد المقاعد التي نالتاها هما تحالف سائرون وتحالف الفتح.. وتطرح الأولى حكومة مستقلة عن المحاور رغم ما يشاع عن قربها من دول الخليج وهي دول معروف قربها من أميركا ، فيما تميل الثانية للمحور الإيراني.
العراق تربطه بأميركا علاقات اقتصادية وسيطرة على أمواله في بنوكها، وتأثير فرضته قرارات أممية ، فهو محتل "سابق" للعراق ناهيك عن كونه البلد الأقوى عالمياً اقتصادياً ويمكن أن يؤذي أي بلد يريد، وكما يفعل مع إيران وتركيا هذه الأيام.. ويحاول أن يجعل من العراق أداة لضرب إيران وتشديد الحصار عليها.
علاقة العراق بإيران لها طابع مختلف ، فإيران بلد مجاور وهناك روابط ثقافية وعقائدية واقتصادية، ولها مواقف لا يمكن نسيانها خلال الحرب ضد الإرهاب.. رغم تاريخ سيّىء سبق ذلك بين البلدين خلال حُكم البعث وصدّام.. وتحاول إيران الاستفادة من العراق في تخفيف الحصار الخانق الذي تفرضه أميركا عليها.
أين نحن من كل ذلك؟ وأين تقع مصلحتنا في أي محور؟
حصار إيران وخنقها سيضرّنا بقدر ما يضرّ إيران.. ومعاداة أميركا ومَن يقودها يفعل ذلك بأسلوب فجّ أهوج سيجعلنا في فوهة الغضب الأميركي ويمكن أن يضرّ وضعنا الهشّ أصلاً.. فما هو الحل؟!
الوسطيّة والتوازن هو حل لا بديل منه ، فرغم أنه لن يرضي الطرفين ، لكن سيكون بأقل الضرر, وغداً أو بعده ستعود أميركا وإيران إلى طاولة التفاوض كعادتهما وحينها أين سيكون موقفنا لو عادينا أحدهما أو أحس إننا خذلناه؟
الموقف ليس سهلاً ويحتاج إلى قادة حكومة وساسة من طراز خاص فهل سينجح قادتنا في تشكيل حكومة من هذا الطراز؟!
وهل هم ساسة يعملون بمحاور وأجندات أم قادة مستقلّون بقراراتهم؟!
سيجيبوننا عن ذلك قريباً.