أحمد عرابي وأصدقاؤه
عقب سقوط مصر في أيدي الإنكليزي، ردّ أحمد عرابي فوجده يقول إنه لمّا عاد من التل الكبير إلى القاهرة، لم ير أهمية للدفاع عن القاهرة لما يعلمه عن الإنكليز من إنسانية واعتدال، وأنهم متى تحقّق الأمر ووقفوا على آراء أهل البلاد سيسعون لراحتهم.
قوبل التقرير بغضبٍ كاسحٍ من مصطفى كامل الذي علّق على التقرير قائلاً "كيف لعرابي باشا بعد مذبحة الاسكندرية وبعد ضرب الأسطول الإنكليزي لهذا الثغر العزيز، أن يثق بالإنكليز ويصف دولتهم أنها تحب الإنسانية والاعتدال، وأن لا لزوم للدفاع عن مصر ما دامت بريطانيا هي الداخلة"، فهل كان عرابي يعتبر مذبحة الاسكندرية عملاً لائقاً بدولة موصوفة بالحب والإنسانية؟.
وفي كتابة المسألة الشرقية وجّه كامل انتقادات واسعة جداً للثورة العرابية والأسباب التي أدّت لاندلاعها كإدانته للخلاف بين الضبّاط المصريين والجراكسة الذي اعتبره نتيجة للدسائس التى قام بها الإنكليز، على الرغم من إقراره أن الثورة العرابية كانت حركة لم يسبق لها مثيل في الأمّة المصرية، وكانت ستعود على مصر بالفوائد الجمّة.
ويحمّل كامل عرابي مسؤولية مباشرة في التدخّل الأجني بالداخل المصري عندما رفض الانصياع للتحذيرات البريطانية بإبعاده إلى جوار علي فهمي وعبد العال حلمي واستقالة حكومة الباردوي، رافضاً مبرّرات عرابي أن انصياعه كان سيمثّل إقراراً بحق الإنكليز في التدخّل في الشؤون المصرية الخالصة.
ومع عودة عرابي إلى مصر بعد توسّط وليّ عهد إنكلترا لدى الخديوي فيقول في مذكراته: عرضت على سموّه أني أعتبر تشريفه للجزيرة فكاكاً لنا من الأسر، فتكرّم علينا بأنه سيسعى لدى الخديوى في تحقيق أمنيتنا"، وبالفعل في مايو سنة 1901 صدر أمر من الخديوي عباس حلمي الثاني بالسماح لعرابى بالرجوع إلى مصر.
ومع الأنباء الأولى للسماح لعرابي بالعودة إلى مصر والتي استغلّها الاحتلال أحسن استغلال، خاصة في الأوساط الأوروبية من خلال تفسيره أن السماح بعودة عرابي مؤشّر أن مصر تحوّلت تحت الحماية البريطانية لبلد مطمئن مزدهر.. كان واضحاً أن القوى الوطنية غير مرحّبة بعرابي وعودته إطلاقاً.
وردّ مصطفي كامل على تلك الادّعاءات كاتباً: إذا كانت عودة عرابي إلى بلد آبائه دليلاً علي ما وصلت إليه مصر من نظام كامل أمن وسلام، فإن هذه النتيجة قاضية بجلاء الاحتلال، وإذا كان للدولة البريطانية أن تتوسّل لدى الخديوي لعودة عرابي فمن الأجدر بها أن تتوسّل لنفسها وتُعيد مصر لأهلها.
وتابع:"إننا ندرك أن عودة عرابي ليست إلا آخر فصل تمثّله السياسة البريطانية في المسألة المصرية، ولا نجهل أن سموّ الخديوي الحالي صرّح بأنه لايرى أقل خطراً على مصر من عودة عرابي فلتحاسب إنكلترا نفسها".
وفي الثاني من يونيو 1901 كتب مصطفى كامل سلسلة من المقالات بعنوان عرابي أمام التاريخ، صبّ فيها جام غضبه على عرابي محمّلاً إياه أسباب الاحتلال وفشل الثورة برفضه الخروج من مصر بطلب القناصل وعدم وقوفه في ميدان القتال بالتل الكبير وتعجّله السفر إلى القاهرة، وأنه لو كان وقف وحارب وإخِذ كأسير لكان إسمه في أشرف الأسماء بتاريخ مصر، وبما أظهره من عظمة الإنكليز بعد عودته إلى القاهرة وهزيمة جنوده بالتل الكبير.
ورأى كامل أن الخطأ الرابع مع باقي تلك الأخطاء هو عودة عرابي نفسه إلى مصر، إذ أنه يخدم سياسة الإنكليز الدعائية رافضاً أن يكون الشق الإنساني هو السبب في السماح لعرابي بالعودة أو شوق المنفي والعودة لمصر من قبل عرابي، وعبّر عن مخاوفه من وجود حزب لعرابي في مصر قائلاً "إن أقرب الأمم إلى الفناء أمّة تنسى تاريخها وتغفر للجانيين وتحلّ الوضيع محل الرفيع"، ووجه قلمه ناحية العرابيين ليدعوهم للتخلّي عن الخضوع للدولة المحتلة والخشوع لها.
ووسّعت صحيفة اللواء لسان مصطفى كامل والقوى الوطنية حملتها في وجه عرابي بعد حديثه لإحدى الصحف عن نيّته الذهاب إلى لندن لتوجيه الشكر للعرش البريطاني وإشادته بإدارة انكلترا للمستعمارات.