المقاومة الفلسطينية خطر استراتيجي يهدّد الكيان الصهيوني
تعاني (إسرائيل) من أزمة حقيقية بعد تصاعد التحديات الاستراتيجية التي تواجهها، وقد لعبت المقاومة الفلسطينية في غزة دوراً رئيساً في تعزيز هذا الخطر الذي يهدد الكيان الصهيوني
بين الفينة والأخرى تخرج بعض التصريحات التي تتحدث عن قدرات وإمكانات المقاومة وما بإمكانها أن تفعله في أية مواجهة قادمة، فينبري البعض ساخراً ومستهزئاً أو غير مصدق لما يقال من تلك التصريحات، والقول هي غزة كوريا الشمالية، صحيح ليست كوريا لكنها هي غزة، التي غيّرت العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تعتمد، على جيش يقاتل في أرض العدو وعلى الحدود، والجبهة الداخلية هانئة وناعمة وتسبح على شاطئ البحر… هذا انتهى، كما أن المتتبّع للمسار التصاعدي في تطوير قدرات المقاومة على المستويين الكمي والنوعي منذ حرب 2008 وحتى اللحظة يعي جيداً مستوى الإعداد والتجهيز الذي تحضّره المقاومة للمواجهة القادمة .
بداية يمكننا القول عسكرياً إن كل أنواع الخدع تهدف إلى تضليل العدو وتشويشه في موضوعين أساسيين فقط، أولاً: تضليله بشأن النوايا.
ثانياً: تضليله بشأن القدرة، وأن أية عملية خدعة ناجحة يمكن أن تكون موجهة أولاً وقبل كل شيء إلى أحد هذين الهدفين، ولكن في بعض الحالات يمكن أن تشمل الخدعة الهدفين معاً، حيث أنه توجد علاقة وثيقة بين النوايا والقدرة في ما يتعلق بإدارة الحرب.
أما في سياق قدرات وإمكانات المقاومة وتأثيرها ورغم قناعتي بصدق المقاومة وقادتها، دعونا معاً لنرى تأثير وخوف العدو من غزة ومقاومتها بلسانهم وعيونهم هم، تتفق النخب العسكرية وكبار المعلقين في الكيان "الإِسرائيليّ" على أن المقاومة، تمثّل تهديداً استراتيجياً على الكيان.
فهذا "يوآف شاروني"، خبير استراتيجي إِسرائيلي كتب مقاله (هزيمة جيشنا المدلل العزيز) بعد حرب العصف المأكول يقول: أصبح الجيش الإِسرائيلي بدل اعتماده على صلابة المقاتل، يعتمد على صلابة تصفيح الدبابات التي فتتها "كورنيت" المقاومة، ويعتمد على جدران الأسمنت التي حفرت المقاومة الأنفاق الشيطانية تحتها، ليخرج مقاتلوها في مشهد هوليودي من عين النفق باتجاه مواقعنا، ثم يقومون في أقل من دقيقتين بذبح جنود من النخبة مثل الخراف.
في حين قال "نمرود شيفر"، رئيس شعبة التخطيط في جيش الاحتلال إن جيشه تلقى "درساً مؤلماً من الأنفاق"، و"إحدى التحديات التي نواجهها هي الأنفاق، لم نكن دائماً متقدمين خطوة على عدونا، وعندما كنا مُتخلّفين خطوة عنه فإننا تعلّمنا درساً مؤلماً جداً".
كما كشفت تحقيقات أجراها سلاح الجو الإِسرائيلي عن وجود تناقض في المعلومات الاستخباراتية التي تلقاها من جهاز الأمن العام "الشاباك" وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، عن هذه الأهداف على الأرض، وأوضح المحلل العسكري في صحيفة "معاريف" (عمير رففورت) أن التحقيقات أثبتت وجود فجوة كبيرة بين المعلومات المتعلقة بفوهات الأنفاق وخط سيرها، وبين واقعها على الأرض ومقاطعها الداخلية، ما جعل من عمليات استهداف الكثير منها بلا نتيجة.
كلنا شاهد الشهادات الحية للجنود الذين اشتركوا في معركة الشجاعية إبان الاجتياح البري 2014 حيث تبين بأنهم قد تحولوا إلى مرضى نفسيين، فقد قالوا إن ما حصل كان عبارة عن كابوس يلاحقهم في حياتهم اليومية، حيث نُقِل عن أحدهم قوله بأنه يحاول عدم المبيت في الطوابق الأرضية خشية الاختطاف وأنه في حال اضطر للمبيت فإنه يحرص على إغلاق النوافذ الحديدية.
بينما قال بعضهم بأن حياته مع عائلته تحوّلت إلى جحيم يكثر فيها الصراخ والبكاء وأن عائلته لا تعرف عُمق المأساة التي مرّ بها في غزة.
وحول الضفادع البشرية للمقاومة بحسب الضابط في سلاح البحرية الصهيونية أوفيك أدلشتاين في تقرير نقلته صحيفة معاريف العبرية، قال إن "مياه شواطئ غزة الأكثر سخونة، فمساحة الصيد الهادئة قد تتحوّل منطقة قتال عسكرية، لأن "كوماندوز" حماس البحري يحتاجون دقيقة واحدة للوصول إلى أبعد ما يمكن أن نتصوَّر، فهم آخذون بالتطوّر، وتقديرنا أنهم سيصلون مستقبلاً إلى مناطق أبعد، وبعدد أكثر من السابق، ويعترف قادة العدو بأنهم يخوضون حرب أدمغة مع المقاومة، فقد بات مقاتلو حماس البحريين مهنيين جداً، ويضيف ضابط في سلاح البحرية الصهيونية إن "البحر ليس مثل اليابسة، حيث إن حماس تحتاج لأشهر لحفر الأنفاق لتصل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية (الأراضي المحتلة منذ عام 1948)، هنا في غضون ست دقائق، في قارب صيد، يمكن أن تصل إلى خط أنابيب النفط في إيلات - عسقلان، أو في غضون دقيقة تصل إلى زكيم، ناهيك أنه لا يوجد سياج لوقف أيّ تسلّل لخطوط النفط البحرية.
كما تشير التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أن المقاومة الفلسطينية في حال اندلاع الحرب في قطاع غزة أو المقاومة اللبنانية في حال اندلاع الحرب في الشمال، ستطلق آلاف الصواريخ يومياً على إسرائيل، مشيرة إلى أن أجهزة النظام الدفاعي مثل القبة الحديدية وغيرها قد لا تكون كافية لتوفير حل كامل للجبهة الداخلية.
وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية قد كشفت مؤخّراً، أنه قد تم تحصين 10% فقط من بين 150 من مرافق البنية التحتية المعرّضة لمخاطر عالية حال اندلاع حرب على الجبهتين الشمالية والجنوبية.
وفي نهاية 2017 نُشِرَ تقرير لمراقب دولة الاحتلال عن وضع الجبهة الداخلية قيل فيه إن إسرائيل غير جاهزة كما ينبغي لسيناريو إطلاق عشرات آلاف الصواريخ عليها، وأن أكثر من مليوني نسمة يوجدون بلا تحصين مناسب، على المستوى السياسي قال التقرير إن الصلاحيات لإعداد الجبهة الداخلية لم تترتّب بين الوزارات الحكومية المختلفة ، وإن هناك مواضيع عديدة تسقط بين الكراسي، وفجوات التحصين بقيت واسعة، ويتطلّب التغيير في هذا الموضوع استثماراً كبيراً جداً، والتقدير هو أن استكمال خطّة التحصين الكامل في الشمال تحتاج إلى ميزانية 3-6 مليارات شيقل. عملياً، خُصِّص لها للسنة الحالية 150 مليون شيقل.
كما ويعتقد العدو أن هناك تهديداً ناشئاً عن الطائرات الصغيرة، ولعلّ هذه هي طبيعة الحرب غير المتكافئة، فالمقاومة قادرةٌ على تطوير وابتكار مثل هذه الطائرات القادرة على تهديده، فخلال حرب غزة 2014 استُخدِمت الطّائرات من قِبَل القسّام، وعليه فإنّ العقول الخلّاقة لذلك والمُبدعة لدى المُقاومة التي عوَّدتنا بعد كلِّ مواجهةٍ تطويرَ قدراتها واستخلاص العِبَر يمكنها أن تستخدم هذه الطائرات في نقل العبوات الناسفة ووضعها في أماكن حسّاسة، فإنّ المخاوف الرئيسيّة من هذه الطائرات تكمنُ في استغلالها لاستخدام صاروخ دقيق التّوجيه يمكن استخدامه لضرب أهدافٍ استراتيجيَّة، كالقواعد العسكريَّة للجيش الإسرائيليّـ والسفن الحربية في عرض البحر، أو منشآت "قومية" أخرى عبر استغلال قدرة طيرانها على ارتفاعٍ مُنخفضٍ؛ ما يُقلِّل من قُدرات اكتشافها عبر شبكات الرادار المختلفة، ويمكن كذلكَ استخدامها في الكمائن، وبهذه الطّريقة تحقِّق المقاومةُ قدرةً تشغيليةً قويَّةً لهذه الطائرات، وبتكاليف منخفضة، هذا السيناريو يُدرَس لدى الجيش الإسرائيليّ، ويحاول إيجاد الطُرُق العمليّة لعدم التورُّط في هكذا مفاجآت.
وحول الجهد الاستخباري الذي تقوم به المقاومة علّق الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية والمُقرَّب من الأوساط الأمنية "يوسي ملمان"، والذي أوضح بأن هذا الجيش من السايبر يُعدّ أخطر تهديد لأمن المعلومات الإسرائيلي والذي من المُحتمل أن يكون قد تعرّض لضربة موجعة واختراقٍ غير مسبوق ، وأن عناصر القسّام قد حصلوا على معلوماتٍ حساسةٍ تُمكّنهم من التقدّم بخطوات في مضمار حرب العقول التي تخوضها مع جيش الاحتلال، صحيح أن أمن المعلومات في الشاباك والمخابرات العسكرية تمكَّن من الكشف عن هذه المعركة، لكنه لم يكشف لنا حجم الضَرَر الحاصِل، لذا علينا أن نأخذ بالحسبان بأنه قد تكون العمليات المُضادّة من "أمان" و"الشاباك" لم تنجح في منع كل محاولات حماس، وينبغي الأخذ بالحسبان أيضاً سيناريو الحال الأخطر، بمعنى أن يكون عناصر حماس قد نجحوا في الحصول على معلومات هامة وسرّية، وفي "إسرائيل" لا يعرفون هذا.
هذا وقد حذّر مؤخّراً مفوّض شكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي، يتسحاق بريك، من وجود أزمات داخل الجيش، الذي وصفه بأنه "تنظيم متوسط المستوى"، وأن "الضباط الميدانيين تحوّلوا إلى مجموعة جبناء" يتخوّفون من تقديم شكاوى، وأن الضباط برتبة لواء "منشغلون بالمظهر وليس بالجوهر". وجاء ذلك في رسالةٍ بعثها بريك، وثّق فيها سلسلة طويلة من محادثات أجراها مع عشرات الضباط في العديد من الشِعَب والأذرع والوحدات في الجيش،
يستند بريك في الوثيقة إلى تقرير مراقب جهاز الأمن ومراقب الجيش الإسرائيلي، الذي كشف العام الماضي، فجوات كبيرة في مدى جهوزيّة سلاح المُدرّعات للحرب.
واعتبر المُحلّل العسكري عاموس هرئيل، مطالبة بريك بتشكيل لجنة التحقيق أنها ليست غير مسبوقة فقط، وإنما هي تعكس أمرين: الأمر الأول هو وجود قلق عميق من وضع القوات البرية، والأمر الثاني هو انعدام الثقة المُتزايد في قُدرة الجيش الإسرائيلي على فحص نفسه وتصحيح الأخطاء والإخفاقات.
في الخلاصة، فوجِئَ الجيشُ الإسرائيليُّ مراراً وتكراراً خلال مواجهته فصائل المقاومة، وكانت المفاجأةُ بسبب الفرق بين المعرفة والفهم، وصعوبة استيعاب أهميّة التهديد، وعدم استعداده لذلك، هناك أزمة حقيقية لدى إسرائيل على هذا الصعيد، وفي المستقبل غير البعيد سيجد الجيش "الإسرائيلي" صعوبة في تشغيل الخُطط العملياتية والهجومية التي بلورها في البر والبحر، بقوة وبنجاعة كاملتين، بهدف إسكات أو تقليص إلى حد كبير الخسائر والأضرار التي ستُلحقها قوى المقاومة بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، وذلك أن الفجوات في تجهيز الجبهة الداخلية الإسرائيلية للحرب لا تزال واسعة جداً