الدخول المدرسي الصعب في الجزائر

هذه الزيادات المُعتَبرة في حجم المصاريف الموجَّهة لتغطية النفقات الاجتماعية للدولة، تبقى غير كافية في نظر المُراقبين لأن البلاد حالياً تعيش تحوّلات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة أثّرت على المجتمع الجزائري، الذي أصبح يعيش حالة من الغليان وعدم الثقة بالحكومة الحالية التي يرى بأنها تتّجه به نحو المجهول

حوالى 8.6 مليون تلميذ يزاولون دراستهم هذه السنة

مع بداية الدخول الاجتماعي لهذا العام بعد نهاية موسم العطلة الصيفية، تعيش البلاد أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً أثّرت على الموظّفين وأولياء أمور التلاميذ الذين يجدون صعوبة كبيرة هذا العام، في التحضير للدخول المدرسي ككل مرة، وخاصة لدى الأُسَر المتوسّطة الحال التي لها أكثر من إبن متمدرس وذلك لموجة الغلاء الكبيرة التي عرفتها مختلف لوازم الدخول الدراسي من أدوات وكتب مدرسية، وكذا غلاء الملابس المُخصّصة للأطفال بمن فيهم الفئات العُمرية التي تدرس في مختلف الأطوار التعليمية سواء الابتدائية أو المتوسّطة، وهذا ما يجعل أولياء الأمور في حَرَجٍ شديد بين التوفيق بين حاجيات الأسرة المختلفة وبين تلبية احتياجات هؤلاء الأبناء، وخاصة أن هناك حوالى 8.6 مليون تلميذ يزاولون دراستهم هذه السنة، وهذا ما يُضيف أعباء اقتصادية كبيرة ليس على الأسَر الجزائرية فقط بل حتى على ميزانية الدولة العامة التي تعاني من عجزٍ رهيب هذه السنة بلغ حوالى 21 مليون دولار أميركي، وذلك بالرغم من الأموال الطائلة التي خصّصتها الدولة لتغطية مصاريف الدخول الاجتماعي، والتي تدخل ضمن إطار سياسة الدولة لدعم الجبهة الاجتماعية والتي خصّصت لها الدولة في مشروع الموازنة لهذه السنة أزيد من 1.760 مليار دينار كتحويلات اجتماعية بزيادة تُقدَّر بحوالى 8% مُقارنة بسنة 2017 م.

هذه الزيادات المُعتَبرة في حجم المصاريف الموجَّهة لتغطية النفقات الاجتماعية للدولة، تبقى غير كافية في نظر المُراقبين لأن البلاد حالياً تعيش تحوّلات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة أثّرت على المجتمع الجزائري، الذي أصبح يعيش حالة من الغليان وعدم الثقة بالحكومة الحالية التي يرى بأنها تتّجه به نحو المجهول. المواطن الجزائري البسيط أصبح يجد نفسه بين خيارين لا ثالث لهما لمواجهة متطلّبات هذه التكاليف الباهظة التي أصبحت تطبع الدخول الاجتماعي منذ عدّة سنوات، وهي إمّا  أن يأخذ قرضاً بنكياً يُسدّده على مراحل، أو اللجوء إلى الاستدانة من الأقارب والأصدقاء أو المعارف، وخاصة إذا كان ربّ أسرة فيها الكثير من الأفراد، وعلى صعيد آخر فإن مختلف النقابات العاملة في مختلف القطاعات أصبحت تُهدد بدخول اجتماعي ساخن على خلفية مُطالباته المُتكرّرة للسلطة برفع الأجور التي أصبحت لا تماشي تطوّرات الوضع الاقتصادي الذي يتأزّم باستمرار، أو الحصول على بعض الامتيازات والحقوق العمالية التي يرون بأن السلطات المركزية تتهرَّب منها، وأهمّها الحق في الضمان الاجتماعي لكل العمال، وخفض ساعات العمل في بعض القطاعات الحسّاسة كقطاع النقل والطاقة والمناجم... الخ.

فكل القطاعات في الجزائر تُعاني جملة من المشاكل التي تجعل الدخول الاجتماعي لهذه السنة محفوفاً بالمخاطر والتحديات، ومما زاد الطين بلّة هو انتشار الأوبئة والأمراض وعلى رأسها الكوليرا، التي جعلت الكثير من النُخَب تدقّ ناقوس الخطر وترى في الدخول الاجتماعي لهذه السنة ربما سيكون بداية لموجة من الاحتجاجات والاضطرابات التي يراها هؤلاء كردِّ فعل طبيعي على تقصير الحكومة في تأمين الحدّ الأدنى من شروط النظافة البيئية والصحية والتي يدفع ثمنها البُسطاء من أبناء الشعب الجزائري، وبالتالي فإن على الحكومة الجزائرية أن تتّخذ جُملة من الإجراءات الاجتماعية التي تصبّ في خانة التخفيف من الضغوطات النفسية والاجتماعية التي تعيشها الأسَر الجزائرية مع  بداية الدخول الاجتماعي هذا العام، والتي يحاول البعض استغلالها سياسياً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في البلاد، إذ أن  قسماً كبيراً من أنصار المعارضة  يحاولون استغلال مُجريات الدخول الاجتماعي الحالي لاتّهام السلطة بالعجز والتقصير في خدمة المواطنين، وبالتالي الترويج لبرامج مرشّحيهم المُتحمَلين لرئاسة البلاد مستقبلاً.