هل تعرقل أميركا معركة إدلب؟
وبين انتظار المسرحية الكيميائية والهجمات الأميركية المُحتَملة يمضي الجيش السوري بتحضير القوات للبدء بمعركة إدلب التي سينتظر وقت إعلانها نتائج القمة المرتقبة بين روسيا وإيران وتركيا التي ننتظر أن يكون لمواقفها دور هام في نتائج المعركة وانعكاساتها على مُجمل المسارات بما فيها المسار السياسي.
باستعراض سريع لمجموعة من المحطات خلال الحرب على سوريا يبدو جليّاً السلوك الأميركي المعرقل لسير عمليات الجيش السوري في مفاصل ميدانية هامّة كان الهدف منها ولا يزال إعاقة الجيش السوري ومنعه من تنفيذ أهدافه.
بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر من عام 2016 نفذّت الطائرات الأميركية غارات متواصلة على مواقع للجيش السوري في جبل الثردة، مُتزامنة مع حشد لتنظيم "داعش" الإرهابي الذي تقدّم إلى مواقع الجيش السوري التي تعرّضت للقصف، واحتلّها وهي مواقع شديدة الأهمية أدّى احتلالها إلى وقف حركة مطار دير الزور العسكري الذي كان يقدّم الدعم الناري المباشر لقوات الجيش في مناطق سيطرته في دير الزور، إضافة إلى قيام المطار بدور التأمين اللوجستي من خلال حركة المروحيات التي توقّفت أيضاً، ليقتصر وصول الإمدادات على الإسقاط المظلّي وهو ما صعّب على الجيش السوري عمليات المدافعة عن وحداته وعن أحياء المدينة التي يسيطر عليها، وهو أمر أكدّه الجنرال الأميركي ريتشارد كاو الذي ترأس لجنة تحقيق في البنتاغون واكتفى بالقول: "إن القصف كان خطأً مؤسفاً نجم عن أخطاء بشرية، وإنّ العسكريين الذّين نفذّوا العملية كانوا واثقين أنّ القصف الذي استمّر لأكثر من ساعة كان يستهدف مواقع إرهابيين".
وللتذكير لا بدّ من الإشارة إلى قصف مطار الشعيرات بـ 59 صاروخ توماهوك أميركي بذريعة استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيميائية في خان شيخون فجر السابع من نيسان/ إبريل عام 2017، وهو المطار الذي يقوم بتقديم الدعم لجبهات مختلفة كونه يقع في منطقة وسطية جغرافياً، إضافة إلى احتوائه على قُدرات جوية مُتقدمّة وتعتبره "إسرائيل" إضافة إلى مطار الضمير والـ T4 من أهم المطارات السورية، مع التذكير أن الطائرات الصهيونية قامت بتنفيذ غارة على قاعدة الـ T4 بتاريخ 9 نيسان/ إبريل من عام 2018 أدّت إلى استشهاد مستشارين عسكريين إيرانيين يديرون سرباً من الطائرات المُسيّرة التي تقوم بمهام ترتبط بمحاربة الإرهاب.
وحتى لا نستغرق كثيراً في عرض الهجمات الأميركية يكفي أن نذكّر بتوجيه الطائرات الأميركية ضربات على وحدات عسكرية سورية وحليفة كانت تتقدّم باتجاه التنف بتاريخ 19 أيار/ مايو 2017 لمنعها من إكمال تقدمها.
إعاقات أخرى تمثلت بإسقاط الطائرات الأميركية لطائرة سوخوي – 22 سورية في منطقة الرصافة التي كانت ضمن سيطرة تنظيم "داعش" خلال عمليات التقدّم لفكّ الحصار عن دير الزور بتاريخ 19 حزيران/ يونيو 2017.
ويبقى أن نشير إلى الهجمات الأميركية والفرنسية والبريطانية بتاريخ 14 نيسان/ أبريل 2018 بصواريخ جوّالة قارب عددها الـ103 صواريخ، أسقطت الدفاعات الجوية السورية منها 71 صاروخاً وهي هجمات جاءت ردّاً على هجمات كيميائية مزعومة في دوما لمنع الجيش من تحرير الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي.
في إشارة هامّة إلى أن جميع هذه الهجمات جاءت متزامنة مع عمليات مفصلية للجيش السوري وهو ما قامت به "إسرائيل" في معارك الجنوب السوري بدور أميركا عندما أسقطت صواريخ أرض – جو صهيونية طائرة سورية كانت تقوم بقصف مواقع "داعش" في حوض اليرموك.
الآن وبعد أن تمكّن الجيش السوري من تجاوز جميع الهجمات المُعادية والتي تهدف إلى تأخير حسم الحرب بمواجهة الإرهاب، تبدو المهمة النهائية للجيش السوري القضاء على الجماعات الإرهابية في مناطق سيطرتها الأخيرة ضمن محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماه واللاذقية وحلب، وهي المهمة التي بدأت أميركا تلوّح بمنعها من خلال التهديد بتوجيه ضربات عسكرية صاروخية بذريعة استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيميائية، حتى قبل حصول هذه الهجمات المزعومة وهو السيناريو نفسه الذي تم الترويج له ومواكبته بحملات إعلامية كبيرة وبفبركة تصوير أفلام تفتقد الحد الأدنى من المصداقية لمخالفة مضمون الأفلام المصوّرة لمعايير الإصابة بأسلحة كيميائية، وهو أمر يمكن تبيّنه من خلال الخبراء وحتى المهتمّين الذين يبذلون جهداً بسيطاً من خلال مواقع الأنترنت بالتعرّف على أعراض الإصابة بمواد كيميائية، وطُرق وأساليب الإسعاف والوقاية وما يرتبط بها من أدوات ووسائط.
ولأن تنفيذ هجمات كيميائية من قِبَل الجماعات الإرهابية يبدو مؤكّداً من خلال المعلومات المتتابعة تبدو الضربة الأميركية – الغربية أيضاً وشيكة.
وعلى غرار العمليات السابقة لن تتأخّر أميركا في توجيه الضربة والعمل على استثمارها سياسياً وإعلامياً لمنع الجيش السوري من إتمام مهمة ما تبقّى من تحرير المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية.
والسؤال المطروح: "هل ستؤثّر الضربة الأميركية على سير عمليات الجيش السوري؟"
بالعودة إلى المسارات السابقة لم تستطع الهجمات الأميركية منع الجيش السوري من إكمال عملياته، حيث استطاعت الدفاعات الجوية السورية أن تحدّ من نتائج الضربة وتحوّلها إلى اشتباك، وهو أمر هام في ظل موازين القوى التي تميل تقنياً لمصلحة أميركا والغرب حيث تستخدم أميركا أفضل ما لديها من تقنيات وصواريخ، بينما تستخدم سوريا صواريخ دفاع جوي من زمن السبعينات والثمانينات أدخلت عليها تحديثات مختلفة بإستثناء منظومة "بانتسير – أس" التي تُعتَبر من المنظومات المتطوّرة والتي يُطلق عليها الغرب قاتل التوماهوك، وهي بالمناسبة المنظومة التي سيكون لها النصيب الأكبر في إسقاط أية صواريخ جوّالة تستهدف سوريا.
ولأن معركة إدلب هي معركة روسيا من المتوقّع أن تتم عملية ربط لمنظومات الدفاع الجوي السورية بمنظومة القيادة والسيطرة الروسية لإعلام الدفاع الجوي السوري بمسارات الصواريخ وإحداثياتها، لاستخدام المنظومات الصاروخية في الزمان والمكان الملائمين، وهو أمر إذا ما حدث قد يزيد من نسبة إسقاط الصواريخ المُعادية ويُقلّل من حجم الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمواقع المُستهدفة وخصوصاً مراكز القيادة والسيطرة والقواعد الجوية ونقاط تحشّد الجيش السوري على تخوم الجبهات المختلفة مع إدلب.
وبين انتظار المسرحية الكيميائية والهجمات الأميركية المُحتَملة يمضي الجيش السوري بتحضير القوات للبدء بمعركة إدلب التي سينتظر وقت إعلانها نتائج القمة المرتقبة بين روسيا وإيران وتركيا التي ننتظر أن يكون لمواقفها دور هام في نتائج المعركة وانعكاساتها على مُجمل المسارات بما فيها المسار السياسي.