حرب الفضائيات على الليره التركية

عندما تابعت الفضائيات في اليومين الماضيين والليرة تهرول للأسفل، في معيار ارتفاع وهبوط قيمتها مع الدولار الأميركي، كنت شغوفاً في معرفة ردّة فعل المواطن التركي الحقيقية، والسلوك في البنوك في منظر ماتخيّلته بتأثير مما تبثّه الفضائيات أن الغالبية العظمى من المودعين سيسارعون إلى التخلّص مما يمتلكون من ليرات والتسابق على الحصول على العملة الأجنبية.

الفضائيات والصحف ووكالات الأنباء في هذه الأيام تتصدّر عناوينها هبوط الليرة التركية

الفضائيات والصحف ووكالات الأنباء في هذه الأيام تتصدّر عناوينها هبوط الليرة التركية، ولو لم أكن في تركيا في هذه الأيام إبان هبوط العملة التركية سواء بمؤامرة سياسية اقتصادية مثلما أشار وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو بسبب إخفاق اقتصادي أو سياسي، أو كلاهما معاً مثلما صرّح بعض المعارضين لحزب العدالة والتنمية، أو حتى ماروّج ويروَّج من لم تروق له السياسة التركية في الشأن الأقليمي والدولي.

أي كان من يصدق هنا في تحليله لمسببات هبوط الليرة، وطبقاً لتوجّهاته فنحن أصبحنا رهينة السياسه في الأقتصاد والتحليل السياسي، شأننا كشأن قطع الشطرنج يحرّكوننا كيفما وأينما شاؤوا.

إذ لايمكن أن نجد تصريحاً بريئاً مصدره بنك دولي أو مؤسّسات ائتمان دولية إلا وخلفها أهداف سياسية، وإن لم تكن مباشرة فستكون هنا بياناتها تحت تأثير السياسة، والسياسة تتحكم فيها دول كبرى وثريه لها مصالح تتلاقى وتختلف مع الدولة التركية وهنا مربط الفرس.

عندما تابعت الفضائيات في اليومين الماضيين والليرة تهرول للأسفل، في معيار ارتفاع وهبوط قيمتها مع الدولار الأميركي، كنت شغوفاً في معرفة ردّة فعل المواطن التركي الحقيقية، والسلوك في البنوك في منظر ماتخيّلته بتأثير مما تبثّه الفضائيات أن الغالبية العظمى من المودعين سيسارعون إلى التخلّص مما يمتلكون من ليرات والتسابق على الحصول على العملة الأجنبية.

هكذا تخيّلت المنظر وأنا أشاهد الفضائيات وهي تبرز في مقدمّة عناوين نشرات أخبارها هبوط سعر الليرة التركية وارتداداتها السلبية على المواطن التركي.

من دون أية أشارة إلى أن هبوط أو انهيار الاقتصاد التركي والليرة التركية لابد أنه سينعكس سلباً على كثير من البنوك الأوروبية والصينية وكذلك الأميركية، أي أن امتداد أعداد الخاسرين من الانهيار لو حصل سيصيب مجموعة كبيرة من البنوك الأوروبية والأميركية والصينية ولكن لم تتم الإشاره إلى ذلك وهنا بيضة القبان.

وعندما كنت في زيارة لأحد البنوك الخاصه لم أر أية علامة مما تخيّلت نتيجة الضخّ الإعلامي الكبير من وكالات أنباء وفضائيات، بل وجدت العكس تماماً، قد لا يصدق من هو في الخارج أن الأتراك بالفعل لبّوا طلب رئيسهم، وهنا تبرز أهمية القومية التركية وذهبوا يستبدلون الدولارات الأميركية بالليرات التركية رغم الخسارة من الناحية الاقتصادية.

وكون أنني أتعامل مع المصانع التركية، فهنا توقّعت أن تكون تأثيرات هبوط الليرة وارتفاع قيمة الدولار الأميركي ستكون بالتأكيد ملموسة، كون تلك المصانع تستورد بعض المواد الخام من خارج تركيا، وبالتالي فمن المنطقي ارتفاع سعر البضائع مما سيؤثّر بالتأكيد على حركة التصدير وهنا لاخلاف في تلك الرؤية والتوقّع للأيام القادمة.

لكن أن تبثّ أحدى الفضائيات الأوروبية تقريراً من السوق المركزي للخضار والفواكه في اسطنبول يتحدّث في ذلك التقرير عن ارتفاع الأسعار بضعفين وثلاثة عن السعر السابق وكساد في السوق نتيجة هبوط سعر الليرة، فهنا أنا بالفعل أقولها إنها حقاً حرب اقتصادية على تركيا وساحتها وأدواتها الإعلام.

إذ كيف من الممكن أن تتأثر أسعار المنتوجات الزراعية ذات المنشأ التركي بالكامل من هبوط سعر الليرة وفي خلال فترة أسبوع أو أقل!.

حقيقة عندما شاهدت ذلك التقرير لتلك الفضائية، وكنت يومها في السوق المركزي أتسوّق كعادتي ولم ألحظ الفرق الذي أشارت إليه تلك الفضائية، بل لايمكن بهذه السرعة أن ينعكس هبوط سعر الليرة على منتج بالكامل محلي وليس له علاقة بمواد خام خارجية.

لكن من الممكن أن ينعكس ذلك في أشهر قادمة وليس خلال أسبوع، إلا إذا أرادت الفضائيات ذلك فهنا سنضطر أن نصدّق الإعلام التركي وطبقاً للواقع الملموس إن ما تواجهه تركيا هو بالفعل حرب اقتصادية ساحتها الفضائيات وأدواتها العملات وأهدافها صناعة مشكلات لدولة كانت تسعى إلى  صفر مشكلات.

دولة من مجموعة العشرين في العالم، ودولة صناعية بدرجة أولى، وسياحية تستقبل في حدود الـ40 مليون سائح سنوياً، ودولة لها مكانتها بين كبريات الدول، ومصالح أوروبا وروسيا والصين والشرق الأوسط مرتبطة باستقرارها الاقتصادي، هل من الممكن أن يسمح كل هؤلاء أن تنهار عملتها ومن ثم دولتها أم أن هناك ليّ ذراع لغرض في نفس يعقوب وأخوته.