هل ترى إسرائيل "حزب الله أقوى من الجيش الإسرائيلي"؟

مفوّض شكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي، يتسحاق بريك، يرفع إلى قيادة جيش الاحتلال، يعتبر فيه أن الجانب الضعيف في الجيش الإسرائيلي يتّسع على حساب الجانب القوي.

بريك: الجيش الإسرائيلي "تنظيم متوسّط المستوى" و"الضبّاط الميدانيين تحوّلوا إلى مجموعة جبناء" بينما الضبّاط برتبة لواء "مُنشغلون بالمظهر وليس بالجوهر"

الجيش الإسرائيلي "تنظيم متوسّط المستوى" و"الضبّاط الميدانيين تحوّلوا إلى مجموعة جبناء" بينما الضبّاط برتبة لواء "مُنشغلون بالمظهر وليس بالجوهر".. كانت تلك الخطوط العريضة لنقاط بالغة الأهمية، كما تزيد أهميتها، مكانة واضعها سواء لدى الأوساط العسكرية أو وسط المجتمعين، السياسي والإعلامي في إسرائيل.

هذه النقاط تضمّنها تقرير رفعه مفوّض شكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي، يتسحاق بريك، إلى قيادة جيش الاحتلال. واعتبر في التقرير أن الجانب الضعيف في الجيش يتّسع على حساب الجانب القوي. وقبل هذا الموعد، كان نفس المسؤول قد أثار الجدل في حزيران/ يونيو الماضي، بعد عرضه تقريراً يرصد حال الجيش الإسرائيلي، رسم من خلاله صورة قاتمة وصفها بأنها "مزعجة أكثر من أي وقت مضى"، حول مدى استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب وقدرته على مواصلة التحديّات، وقد أشار جنرال الاحتياط بريك، فيه إلى لجوء أحد مراكز التدريب العسكرية الرئيسية إلى الاستعانة بشركة خدمة مدنية لتنظيف الأسلحة بعد التدريب، بسبب تهرّب الجنود وعدم تمكّنهم من هذا العمل الروتيني. وسجّل في ذات التقرير تراجع كفاءة كبار الضباط وعدم الرغبة بالالتزام بالخدمة الطويلة الأمد، كما نبّه أيضاً إلى إشكالية تهرّب صغار الضباط في "ساحة الحرب المستقبلية" ملثما وصفها.

يعتقد المسؤول العسكري في تقريره، أن الجيش غير مُستعد لخوض أية حرب قادمة، ولخّص استنتاجه في نقطتين هامتين، الأولى تتعلّق بطلب ضباط رفيعي المستوى إنهاء خدماتهم في وقتٍ مُبكر، والثانية في انخفاض مستوى التدريبات العسكرية وغياب خطط لتطوير المؤهّلات القتالية. وتكمُن الأهمية البالغة لهاتين النقطتين، في أنهما تمثلان القاعدة التي تُبنى عليها "العقيدة القتالية" لأيّ جيش، والتي يعتبرها الخبراء العسكريون ركيزة وأساس القدرات القتالية والعسكرية، أضف إلى ذلك نقطة ثالثة لا تقلّ خطورة، أشار إليها التقرير، وتكشف عن مدى عجز أهم قوّة مخابرات عسكرية، كما يُروّج لها، على حماية وتحصين البيانات العسكرية، وتتعلّق بسهولة اختراق الهواتف للضباط بجميع مستوياتهم.

إن الحديث عن اختراق الهواتف، خصوصا "الذكية"، الذي كشف عنه التقرير، في عصر أصبح فيه التواصل والمحادثات من طبيعة الحياة اليومية، هو أمر يحمل خطورة بالغة، ولا تكمن أهميته بالضرورة في تلك المُعطيات الحسّاسة التي قد يتبادلها الضباط الرئيسيون، وإنما حتى في تلك المُحادثات الشخصية أو "الحميمة" لصغار الضباط مع زوجاتهم أو "صديقاتهم"، والتي يستحيل فيها إخفاء هؤلاء الجنود حالتهم المعنوية، والتي يقود الوصول إليها وتجميعها ومعالجتها إلى بناء صورة عريضة، إن لم نقل، قاعدة بيانات، دقيقة، حول وضعية الجيش الإسرائيلي من الداخل.

قبل أربعة أشهر من عرض تقريره في حزيران الماضي، كان عضوان بلجنة الخارجية والأمن في الكنيست، تقدّما بطلب إفادات بشأن مدى جهوزية الجيش لأية مواجهة عسكرية في الجبهة الشمالية (الجنوب اللبناني والسوري)، غير أن وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، قابلها بالرفض القاطع، مبرراً ذلك بأن الأمر يتعلّق بمنطقة "مقدّسة".

يمكننا تلخيص الوضع في "دولة الشفافية" العبرية على أن الفساد جدّ مُتعمّق في "الكيان العميق" داخل هذه "الدولة"، وذلك بالاستناد إلى تقارير إعلامية عبرية لعام 2017، تحدّثت عن الفساد في الجيش الإسرائيلي، ووصفت الوضع، بأن الفساد يبدأ من قمّة المنظمة العسكرية، وذلك في سياق فضائح مُتتالية، منها ما كشفت عنه التحقيقات حول ما وصفته بتضخيم قائمة مُتطلبات الجيش من أجل الحصول على أموال تذهب إلى جيوب كبار الضباط، وتناول الإعلام المحلي تحقيقات بشأن جرائم مالية كبيرة وعديدة أبرزها قضية شركة "صناعات الطيران والفضاء" والتي يعمل بها نحو 20 ألف شخص، ثم قضية صفقة الغوّاصات الألمانية التي وصفها وزير الأمن السابق، موشيه يعالون، بأنها أهم قضايا الفساد منذ إنشاء إسرائيل، والتي يُلاحَق فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وكل ما تم الكشف عنه من فساد، لا يُمثل سوى جانباً مصغراً من حجم الأزمة المُتعمّقة داخل أهم جهاز تقوم عليه إسرائيل، هذا فيما لا يجري أي حديث عن فساد أجهزة الاستخبارات المدنية والعسكرية، وهي منظمات مجتمعة إلى جانب قيادة الجيش، يمكن تسميتها بالكيان العميق، أو لنقل تجاوزاً "الدولة العميقة". يُضاف إلى كل ذلك، الفساد "الأخلاقي" وغياب الانضباط للقواعد السلوكية داخل الجيش، وذلك ما كشفت عنه الفضائح الجنسية، سواء تلك التي فجرتها الاتهامات التي وُجهت لضباط عسكريين، وتتعلق بالاغتصاب والتحرش الجنسي، بعضها تحت التهديد باستعمال المنصب، أو تلك التي راجت كفضائح أخلاقية صرفتها العديد من المجنّدات، في شكل صوَر فاضحة على مواقع التواصل الاجتماعي، ككبت وضغط نفسي لما يُعانيه الجنود وصغار الضباط في صمت، وهو ما يُبرز لنا صورة موجزة عن حجم الانهيار الأخلاقي والمعنوي داخل هذا الجيش الذي تأسّس وفق منطق منظمة إرهابية.

***

التقرير الجديد، للجنرال بريك، والذي قال بأنه نتاج عشرات المقابلات أجراها مع جنود وضباط من عدّة شِعب وأذرع ووحدات عسكرية، خلص إلى أن الجيش "مؤسّسة" متوسّطة المستوى تعاني من التآكل. كلام الجنرال كان شديد اللهجة هذه المرة، حيث هاجم المنظمة العسكرية، واصفاً الضباط الميدانيين بـ"مجموعة من الجُبناء" وأن كبار الضباط لم يعد لهم من اهتمام سوى المظاهر؛ وهو ما رأت فيه صحيفة "هآرتس" نقداً خارجاً عن المألوف.

تقرير بريك، جاء لينسف "خطة جدعون الخمسية" التي رُوّج لها على أنها أمل إسرائيل في تطوير جيشها والوصول به إلى وضع جيش غير تقليدي على غرار الجيش الأميركي، وذلك بإعادة بناء تركيبته. وفي هذا الصدَد نبّه بريك إلى أن الجيش سيضطر مُستقبلاً إلى المساومة والتنازل عن مقاييس مُتشدّدة. ويأتي ذلك في ظلّ استمرار مسيرات العودة، والتي قد تتحوّل في أية لحظة إلى مسيرات نزوح جماعي نحو الأرض التاريخية للأجداد والأحفاد الحاليين والذين سيولدون من صلب البطن الفلسطينية، لاسترجاعها بجميع الوسائل المُتاح منها وحتى غير المتاح، وهي المسيرات التي تجاهد الحكومة الإسرائيلية لوقفها عبر الوساطات، بعدما عجز الرصاص الحيّ والميت والغاز، في لجمها. ولعلّ تلك اللقطة الخاطفة التي مرّت مرور الكرام من دون تعليق على الشاشات، لفتى فلسطيني يدفع عربة المبرّدات (البوظة) خلال مسيرة الجمعة الماضية نحو جموع الغاضبين، كما لو كان يتوجّه بها إلى شاطئ المُصطافين، هي خير ما يلخّص معنويات المقاومة المدنية التي أصبح اندفاعها نحو الحدود المُصطنعة ونحو الرصاص والقنّاصة، كاندفاع الظمآن المُشتاق إلى بركة الماء. هذا في وقتٍ ينشغل فيه جنرالات العدو بالمظاهر ومُراكمة الثروات.

وفي هذه الخانة، نجد أنفسنا أمام استحضار رؤية السيّد حسن نصر الله - الذي عُرِفَ عنه بين أنصاره كما بين أعدائه، أنه لم يقل يوماً كلاماً استهلاكياً – رؤيته للقاعدة التي تأسّست عليها إسرائيل، وهي الجيش والمخابرات، وهو يؤكّد في خطابه لذكرى حرب تموز، أن "حزب الله اليوم أقوى من الجيش الإسرائيلي"، ويؤكّد أنها (إسرائيل) اليوم هي أعجز من أن تشنّ حرباً جديدة كالتي خاضتها في السابق. ولا غرابة إذن، عندما يتفرّغ الإعلام العبري لكلمة الأمين العام لحزب الله  يُحلّلها ثم يُعيد تحليلها، ولا غرابة أيضاً، عندما تركّز القناة الثانية الإسرائيلية في موقعها الإلكتروني، على الفقرة التي قال فيها السيّد نصر الله بأن نتنياهو سلّم ببقاء القيادة السورية والجيش وهو يخوض اليوم معركة "الشحادة" تهدف من ورائها (حكومته) إبعاد إيران وحزب الله من سوريا، التي أكّد نصر الله هزيمة "الدولة" العبرية فيها.

 فهل اعترفت إسرائيل أخيراً، من خلال تقرير اللواء بريك، بانهيار أسطورة القوّة الأمنية التي لا تُقهر، وبصدقيّة رؤية السيّد نصر الله.