ماذا وراء الادعاء بخروج إيران وروسيا من الاتفاق النووي؟
كلّ الأساليب مباحة في الحرب الإعلامية والدعائية والنفسية التي تهدف إلى تضليل الرأي العام العالمي حول حقيقة البرنامج النووي الإيراني وتفاصيل خطة العمل الشاملة المشتركة التي جلبت إلى قاسم مشترك طهران وكبار صناع القرارات الدولية.
التضليل لم يترك أداةً إلاّ ولجأ اليها. حتى تصريحات المسؤولين الإيرانيين والخبراء الروس وبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصبحت عرضة للتحريف والتأويل والاجتزاء لإظهار أن أقرب حلفاء إيران مثل روسيا والحكم الدولي على أنشطة ايران النووية - الوكالة الدولية يقرّان بانتهاك طهران لبنود الاتفاق النووي، لا بل إن التضليل يشير إلى خروج كلّ من روسيا وإيران عملياً من خطة العمل الشاملة المشتركة، بحجة أن قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي هو الذي أعطى الذريعة لهما ليحذوا حذو واشنطن.
بموجب الاتفاق النووي إيران أودعت لدى روسيا عشر شحنات من اليورانيوم المخصب دون نسبة تركيز 20 في المئة. الوديعة لا تعني المصادرة، والاتفاق يقضي بتسليم إيران هذه الشحنات على دفعات لتشغيل مفاعل طهران للأبحاث العلمية كلما اقتضى الأمر. هذا تحديداً ما ادلى به ممثل المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي، وهذا ما تقوم روسيا بتنفيذه تحديداً.
وبالمناسبة كل ذلك يجري بموجب إخطار خطّي موثق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أي لا شيء وراء الكواليس، والعملية تجري بكل شفافية. وهنا لا بدّ من الإشارة الى أن روسيا سبق أن سلّمت إيران شحنة مماثلة قبل سبعة أشهر، إلا أن أحداً لم يتهم سواء موسكو أو طهران آنذاك بالخروج من الخطة الشاملة. إذاً، يمكن الاستنتاج أن الحملة الراهنة مبيتة وموقوتة.
العقوبات على إيران وروسيا تتضاعف يوماً بعد اليوم، ومن جديد يجري الحديث عن حزمة جديدة من العقوبات على روسيا وتدشين مرحلة اخرى أكثر صرامة من العقوبات على إيران. وفِي هذه الأثناء يجري تضليل الرأي العام بخرق البلدين للاتفاق النووي، بل خروجهما منه. لماذا؟ لتبرير عقوبات جديدة طبعاً، ولتعبئة الرأي العام الدولي ضدّهما، ولدق أسافين بين روسيا وإيران من جهة وبين الدول التي ما زالت متذبذبة في مواقفها من القرار الإميركي.
إيران وإن أعلنت غير مرة أنها يمكن أن تعيد النظر في الاتفاق النووي، إلا أنها لن تنسحب منه في المستقبل المنظور لكيلا تعطي ورقة رابحة لواشنطن وتل أبيب والرياض وتخسر التراكم الإيجابي في علاقاتها مع عدد من أهم الدول في الاتحاد الاوروبي. روسيا هي الأخرى لن تخرق الاتفاق لأسباب سياسية واستراتيجية وأخلاقية بصفتها أكثر من عمل لتحقيق هذا الاتفاق وكونها تتحمل مسؤولية دولية في مجال عدم الانتشار.
من يطلق حملة التضليل هذه يريد أن يضرب عصفورين بحجر واحد.
فمن جهة يحرض الرأي العام العالمي على روسيا وايران، ومن جهة اخرى يحجب الأنظار عن نجاحات هذين البلدين الحليفين في سوريا، ولا سيما في مسعاهما لتثبيت انتصار محور المقاومة على الإرهاب ودفع العملية السياسية وإعادة اللاجئين السوريين الى ديارهم، ويجب أن لا ننسى أيضاً أن إسرائيل أحد أكبر المستفيدين من أيّ حملة تستهدف إيران ومحور المقاومة، ولا سيما على خلفية إمعانها في قمع الفلسطينيين وسلب حقوقهم وتهويد أراضيهم، تحت جنح الخطر الإيراني الوهمي.
لذا يجب أن ننتبه إلى فلسطين أولاً، إلى ما يبيت لها سواء في سياق صفقة القرن سيئة الصيت أو خارج نطاقها.