لماذا تنقلب باكستان على التحالف مع السعودية؟

تعيش البلاد مشاكل عديدة أهمها سوء حال البنية التحتية وعدم توفّر الطاقة وعدم قدرة عشرات الملايين على توفير الغذاء الكافي والدّواء، ولذلك فإن دَواعِي تَرْكِيز وعود "عمران خان" خلال الحملة الإنتخابيىة على تحسين الخدمات التعليمية والصحية، ودعم الفقراء والمزارعين وأصحاب المشاريع الصغيرة، وتحفيز الاستثمار والسياحة، تكمن في ارتفاع حِدّة هذه المشاكل.

تعيش البلاد مشاكل عديدة أهمها سوء حال البنية التحتية وعدم توفّر الطاقة

كشف ما عُرِف إعلامياً  باسم " وثائق بنما" سنة 2016 عن ممتلكات وحسابات مصرفية هامة لمُقَرّبين من رئيس حكومة باكستان آنذاك "نواز شريف" وخاصة تورّط أبنائه الثلاثة وصهْره في تهريب الأموال إلى الخارج والتهرّب من الضرائب وامتلاك أُصُول غير مُعْلَنَة

حاول حينها خُصُومه اغتنام الفرصة (بدعمٍ من الجيش) للعمل على إزاحته، من دون تقديم بديل "شَعْبِي" أو "تَقَدُّمِي"، وأصدرت المحكمة العُلْيا في باكستان خلال شهر تموز/يوليو 2017 أمراً بعزل رئيس الحكومة "نواز شريف" من منصبه (بسبب الفساد وامتلاك أُصُول غير مُصَرّح بها)، ثم أعلنت المحكمة أيضاً في شباط/فبراير 2018 تجريد نواز شريف من منصبه كرئيس لحزب الرابطة الإسلامية الذي أسّسه، وسجنه لعشر سنوات، وبغرامة مالية تُقدّر بعشرات ملايين الدولارات لتورّطه بالسرقة والفساد، ويُعْتَبَرُ قرار المحكمة ضرْبَة لنُفُوذ السعودية في باكستان، بعد خسارتها مواقع أخرى في ماليزيا، مع هزيمة نجيب عبد الرزّاق في الانتخابات التشريعية الأخيرة...

أعلن زعيم "حركة الإنصاف" عمران خان - وهو لاعب كريكت سابق - عن فوز حركته في الانتخابات العامة بباكستان (التي جرت يوم الأربعاء 25 تموز/يوليو 2018)، على حساب حزب رئيس الوزراء السابق المُعتَقل نواز شريف الذي يمثل "الرابطة الإسلامية"، وحصل حزب "حركة إنصاف" على 115 مقعداً، وهي أغلبية نسبية، لأن ما يُسَمّى "النّصاب القانوني" لتشكيل الحكومة، أو "الأغلبية المُطْلَقَة" (أي 50% + 1 ) تتطلّب الحصول على ما يقلّ عن 137 مقعداً، ولكن يمكن التحالف بين عدد من الأحزاب لتشكيل حكومة لها أغلبية برلمانية تَدْعَمُها...

ينحدر "عمران خان" الفائز في الانتخابات من عائلة ميسورة، وكان أبوه مُهندساً (عند ولادته سنة 1952) ودَرَس في جامعة "أكسفورد" في بريطانيا، وهي جامعة مرموقة، مُخَصَّصَة للأثرياء، وكان متزوجاً من "جميما" إبنة رجل الأعمال والسياسي (الصهيوني) البريطاني "جيمس غولد سميث" من 1995 إلى 2004، ولم يقدّم برنامجاً بديلاً خلال الحملة النتخابية، واكتفى بتصريحات فضْفَاضَة عن "محاربة الفساد، وإرجاع القرار السياسي في البلاد إلى الحكومة بعد أن باعه" نواز شريف وحزبه  للسعودية ودول خليجية أخرى..."، وأعلن أيضاً اعتزامه "تحسين قطاع التعليم والرعاية الصحية فضلاً عن تعزيز نظام جمع الضرائب والحد من الفساد في البلاد"، ووَجّه لَهُ خُصُومه اتهامات بأنه يستفيد من تدخّل الجيش ضد منافسيه، وكان قد دخل الحياة السياسية سنة 1992 (بعد اعتزال رياضة الكريكت) وذلك عبر المنظمات "غير الحكومية" أو ما يُمكن إدراجُهُ في باب "العمل الخيري" (أو الإنساني) وأصبح يمتلك منظمات خيرية متعدّدة الجنسية تتجاوز حُدُود باكستان إلى منطقة جنوب آسيا، قبل تأسيس حزبه سنة 1995، ويجدر التذكير بدَعْم "عمران خان" للجنرال "برويز مُشَرّف" الذي افْتَكّ السّلطة سنة 1999، عبر انقلاب عسكري على حكومة سَلَفِهِ "نواز شريف"، كما واجه "عمران خان" اتهامات بالتساهُل مع مجموعات إسلامية مُتطرّفة، ما جعل خصومه يكَنُّنَهُ "طالبان خان"، وكان رَدُّهُ إنه "دعا لإجْراء محادثات سلام مع هذه الجماعات الإسلامية، بهدف وضع حدٍّ للصراعات في باكستان"...

تحالف "عُمران خان" مع عدد من السّياسيّين الذين يُطلق عليهم الباكستانيون إسم "المُنْتَخَبُون"، لأنهم انتهازيون ينتقلون من حزب إلى آخر لضمان فوزهم في الانتخابات، عبر ثرواتهم التي تجتذب الأحزاب المُتنافسة، كما تجتذب عدداً هامّاً من النّاخبين، وبَرَّرَ ذلك بالقول: "إن هؤلاء يعرفون فن خوض الانتخابات، فهم يُساعدوننا على الفوز بها، لكنهم لن يؤثروا على الموقف الأيديولوجي للحزب" (هل هم من الصّنف الذي "لا يُرِيد جزاءً ولا شُكُورا"؟)، كما تحالف الجيش معه بسبب رفض معظم قيادات الجيش الزّج بهم في حروب خارجية مثل اليمن، وفي صراعات داخلية أخرى...

تعيش البلاد مشاكل عديدة أهمها سوء حال البنية التحتية وعدم توفّر الطاقة وعدم قدرة عشرات الملايين على توفير الغذاء الكافي والدّواء، ولذلك فإن دَواعِي تَرْكِيز وعود "عمران خان" خلال الحملة الإنتخابيىة على تحسين الخدمات التعليمية والصحية، ودعم الفقراء والمزارعين وأصحاب المشاريع الصغيرة، وتحفيز الاستثمار والسياحة، تكمن في ارتفاع حِدّة هذه المشاكل، فقد أكّد "عمران خان: "إن خمسة وعشرين مليون طفل، من إجمالي 200 مليون نسمة، خارج المدرسة، ولدينا أعلى معدّل لوفيات الأطفال في العالم"، ويعود نَشْر آخر تقرير حُكُومي (لجنة التخطيط الباكستانية) بشأن الفقر في البلاد إلى منتصف حزيران سنة 2016، وتعود الأرقام إلى سنة 2014، وأَظْهر التقرير آنذاك أن نحو 7,6 ملايين عائل أُسْرة يتقاضون أقل من 3030 روبيه شهرياً (30 دولاراً عند صدور التقرير)، أو ما يُعادل دولاراً واحدًا في اليوم لكامل الأسرة ما يجعل 29,5% من السّكان تحت خط الفقْر المُدْقَع وحوالى 40% من الباكستانيين فقراء، على حدود خط الفقر، فيما لا يستطيع 51% من السّكّان توفير ما يحتاجونه من السلع والدواء والغذاء والخدمات، ويرتفع المُعدّل في المناطق الرّيفية، وإلى 70% لدى  سكان المناطق القبلية شمال غربي البلاد وفي محافظة بلوشستان جنوب البلاد، فيما ينخفض لدى سكان بعض المدن الكبرى مثل إسلام أباد ولاهور وكراتشي إلى حوالى 10% وفق البيانات الحكومية، لكن العديد من أحياء المدن الكبرى والمتوسّطة تفتقر إلى البنية التحتية ومؤسّسات التعليم والمراكز الصحية، وإلى مياه الشّرب والصرف الصحي، ما يُعَمِّق الفجوة الطبقية بين الأثرياء والفُقراء، مع استفحال قضايا  الفساد والسرقة، وتعتبر بعض المنظمات الدولية إن التقديرات الحكومية للفقر والإفتقار إلى ضرورات الحياة، دون الواقع بكثير.