العراق والكويت، صفحة جديدة بمُصطلحاتٍ تُغذِّي الماضي
لا يختلف إثنان على أن ما قام به النظام العراقي السابق من احتلال للكويت في 2 أغسطس من عام 1990، لم يكن مُبرّراً حتى من قِبَل ما تبقّى من أنصار النظام العراقي السابق، وحتى بالتزامُن مع اتّخاذ قرار الاجتياح في ذلك الوقت لم يكن جميع أعضاء القيادة العراقية مُؤيّدين لتلك الخطوة التي دفع الشعب العراقي ثمنها غالياً، بينما كان هو الآخر بغالبيته مُجبراً على التظاهر بتأييديها.
نظام صدّام حسين لم يتحمّل تبعات الحرب، بل خسرت الدولة العراقية أضعافها، كتعويضٍ للكويت دولة وشبعاً وحتى مَن كان يُقيم في الكويت من العرب وبغالبيتهم من المصريين والأردنيين والفلسطينيين، حيث أُجبِرت الدولة العراقية على دفع تعويضات لهم عن الحرب التي بقيت تبعاتها تستنزف موازنة الدولة العراقية لأكثر من عقدين من الزمن ، بعد خروج القوات العراقية بحرب ما يُعرف بـ "عاصفة الصحراء" التي قادتها الولايات المتحدة بالتعاون مع دولٍ عربية وغربية حليفة لها باستثناء سوريا التي أسمهت بإخراج العراق من الكويت ولم تكن في الفلك الأميركي.
وربما من المُفارقات الصعبة التي شهدتها أنا في أحد البلدان العربية، عندما التقى عربي من أحد البلدان وآخر عراقي، وكان العربي يمتلك بيتاً وسيارة وبحال إقتصادية فوق المتوسّطة وهو لم يُكمِل دراسته، بينما يسكن العربي العراقي الذي يعمل في أحدى المؤسّسات بمنزلٍ صغيرٍ قديمٍ مُستأجر بمبلغ 500$ وهو يحمل شهادة عُليا من جامعة بغداد، ولا يمتلك شبراً واحداً في العراق، المفارقة تكمن في أن العربي كان قد عمل كعاملٍ بأجرٍ بسيطٍ جداً في الكويت أبان الاجتياح العراقي، لكنه كباقي العرب الذين كانوا بحالٍ اقتصادية دون خط الفقر، أخذوا مبالغ مالية كبيرة تعويضاً من بغداد نقلتهم من حال إلى أخرى، بينما العراقي لايمتلك منزلاً يأويه وعائلته.
فخطط النظام العراقي السابق باحتلال الكويت والسعودية والسيطرة على الخليج العربي تباعاً، انتهت بحصار العراق اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وعُزِل العراق بصورةٍ كبيرةٍ عن العالم لكَبْحِ جماح السلطة في بغداد آنذاك، لكن الحصار عاناه الشعب والأطفال الذين ماتوا جرّاء نقص الأدوية والأطعمة، بينما كان النظام في تلك الفترة يُشيّد القصور الرئاسية ويتمتّع أركانه بثروات البلاد، بينما الشعب يموت جوعاً، واُجبر العراق على التنازل عن سيادته الكاملة على خور عبد الله منذ ذلك الحين، بعد اتفاق ما يُعرَف بـ"خيمة سفوان" التي ضمّت قيادات أميركية وعراقية وسعودية.
وتُقدّر التعويضات العراقية للكويت بـ 177,6 مليار دولار أميركي، وكانت الكويت تطالب العراق بديونٍ سابقةٍ أبان حرب نظام صدّام حسين مع إيران بمبلغ 13,2 مليار دولار، ويترتّب على العراق الكثير من الديون إلى دول أخرى مثل السعودية وبريطانيا وفرنسا ، كانت هذه الدول قد موّلت العراق بالسلاح والأموال لمواصلة الحرب على الجارة إيران.
الهدف من هذا المقال ليس فتح صفحات الماضي المؤلمة بين بلدين عربيين جارين، بل للتأكيد أن ماعاناه شعب الكويت نتيجة الاجتياح، عاناه الشعب العراقي الأمرّين، وما طالب به السفير العراقي لدى الكويت علاء الهاشمي، بحذف عبارة "الغزو العراقي" من المناهج الدراسية الكويتية، واستبدالها بعبارة "الغزو الصدّامي"، هي لمصلحة البلدين الشقيقين، وعلّل الهاشمي ذلك بأن أبناء الشعب العراقي لم يكونوا راضين عما حصل للكويت، وحذف هذه العبارة سيساعد الجيل الجديد على بدء صفحة جديدة بصورةٍ حقيقيةٍ بين بلدين عربيين، ومن المؤكّد تأتي هذه المُطالبة العراقية حرصاً على بناء علاقات متينة مع الكويت ، وهذه هي السياسة العراقية بعد العام 2003، فالجيش العراقي اليوم يقاتل للحفاظ على العراق ودفاعاً عن الأمن في بلدان الجوار ولولا الجيش العراقي وصدّه الإرهاب بعد 9 حزيران 2014، هو وبتكاتف أبناء الشعب العراقي، لكانت دول مجلس التعاون الخليجي بمواجهة عسكرية مع داعش، فهذا الجيش يختلف عن سابقه الذي حارب إيران واحتل الكويت ثم أحتل الخفجي في السعودية، وبالتأكيد هذا الجيش الذي يُمثّل الصورة الحقيقة للشعب العراقي.