إيران وإسرائيل.. الحرب الباردة حتى الآن
انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي مع إيران وفَرْض العقوبات على طهران يأتي ضمن الحرب الأميركية - الإسرائيلية، على إيران لإبعادها عن الملفات العربية وتحديداً السوري والفلسطيني ودعم المقاومة اللبنانية.
قامت الثورة الإسلامية في إيران على يد روح الله الخميني في عام 1979، ضد نظام الشاه محمّد رضا بهلوي، وبعد استفتاء الشعب الإيراني الذي اختار نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقامت تلك الثورة على عدّة مبادىء، أبرزها زوال ما يُعرَف بدولة إسرائيل من الوجود، لأنها دولة احتلال، وإعادة الحق لأصحابه الفلسطينيين، وذلك كان واضحاً عندما راحت طهران تقطع جميع أنواع التواصُل الذي كان بين نظام الشاه وإسرائيل، وتُغلِق سفارة تل أبيب في إيران وتستبدل العَلَم الإسرائيلي بالعَلَم الفلسطيني وتُسلّم مفتاح السفارة إلى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وخلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات في ثمانينات القرن الماضي، عمدت إسرائيل من خلال دفع الولايات المتحدة الأميركية لإطالة الحرب عبر مدّ أميركا بالسلاح للعراق عبر وسيط عربي، وهو مصر التي كانت تسجّل احتياجات العراق من مختلف أنواع الأسلحة كما يقول السياسي العراقي الراحل حامد الجبوري، وهو أحد أبرز المؤسّسين لحركة القوميين العرب في شهادته للتاريخ، ويقول الجبوري إن هناك علاقة سرّية نشأت بين صدّام حسين والإدارة الأميركية، حيث كان الأميركيون يزوّدون العراق بصوَرٍ من الأقمار الصناعية لتدمير القوات الإيرانية، وقد حصل أكثر من لقاء بين دونالد رامسفيلد _ وكان مبعوثاً من الرئيس الأميركي رونالد ريغين _ وصدّام حسين خلال فترة الحرب، ويعتقد الراحل الجبوري، إن الولايات المتحدة عندما شعرت أن الكفّة رجحت في الحرب لصالح إيران بعدما سيطرت الأخيرة على الفاو في البصرة أقصى جنوبي العراق، اتفقت مع صدّام حسين على استهداف طائرة عراقية من صناعة فرنسية بصاروخٍ واحدٍ من طراز أكزوست، لبارجةٍ حربيةٍ أميركيةٍ في مياه الخليح وقد قُتِل حينها قرابة 37 عنصراً من البحرية الأميركية، وكان ذلك مُبرّراً للولايات المتحدة للدخول إلى جانب العراق، وساعدت القوات الأميركية القوات العراقية في تحرير الفاو بحجّة أن إيران هي مَن قامت باستهداف البارجة الأميركية، وكان التحرّك الأميركي هذا، قبل إعلان أيّ طرف المسؤولية عن الاستهداف، ثم بعد ذلك تفاجأ الجميع بأن العراق يقدّم الاعتذار عن ذلك الاستهداف ويعوّض عوائل الضحايا.
هذه الحقائق تُدلّل على دخول الولايات المتحدة الحرب لصالح بغداد ، وأكاد أجزم أن ذلك الدعم الأميركي يأتي بدفعٍ إسرائيلي الهدف من ورائه تحقيق هدفين استراتيجيين بضربة واحدة ، وهو استنزاف القوات العراقية والإيرانية في آنٍ واحدٍ لإضعافِ البلدين، وخصوصاً إيران التي تخلّصت حديثاً حينها من الهيمنة الأميركية - الإسرائيلية.
إيران ومع كل ما عانته في بداية ثورتها الإسلامية، جهّزت ودرّبت وسلّحت المقاومة الإسلامية في لبنان لصدّ إسرائيل، وأثمر الدعم الإيراني لحزبِ الله، تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، من الاحتلال الإسرائيلي، وانتصار حزب الله في عدوان 2006 الذي شنّته إسرائيل على لبنان، حيث كان وما يزال حزب الله يُمثّل التهديد الأقوى للكيان الإسرائيلي المحتل.
ومع اندلاع الحرب بالوكالة على سوريا في عام 2011، وإيران تُقدّم المُساعدة بصورةٍ كبيرةٍ ومتواصلةٍ للدولةِ والشعبِ السوري، وتقترب في ذات الوقت من تحقيق الهدف الأبرز للثورة الإسلامية في إيران التي اندلعت عام 1979، وهو تدمير إسرائيل وإعادة فلسطين من البحر إلى النهر مِلكاً للشعب الفلسطيني، طهران دفعت بمُستشاريها وبجزءٍ من مُقاتليها وأبرز جنرالاتها بينهم قائد قوّة القدس قاسم سليماني ، وبمساعدةٍ من أصدقائها وحلفائها من المقاومة اللبنانية والعراقية وحتى من أبناء الشعب السوري، لتحرير سوريا من الجماعات التكفيرية المُمّولة خارجياً، والتواجد الإيراني على الأرض السورية أتاح لها التواجد على مقربةٍ من حدود فلسطين المُحتلة، وهذا ما دفع بالمسؤولين الإسرائيليين إلى التصرّف بهستيريا في بعض الأحيان ، ويريدون إبعاد إيران عن سوريا بأيّ شكلٍ من الأشكال، والحرب قد تكون واحدة من هذه الأشكال، حيث أن فشل إسرائيل بإقناع روسيا التأثير على إيران للانسحاب من سوريا وهذا ما بدى جلياً بعد تصريح السفيرالروسي في تل أبيب أناتولي فيكتوروف، إن روسيا لا تستطيع إخراج إيران من سوريا، لأنها تُخالف القانون الدولي وتمثّل قطباً مهماً في مُكافحة الإرهاب على الأرض السورية ، السفير الروسي أوصل رسالة واضحة إلى الإسرائيليين عندما قال، إن بلاده تستطيع التحدّث مع شركائها الإيرانيين بكل "أمانة وصراحة كما باستطاعتها أن تحاول إقناعهم بالإقدام أو عدم الإقدام على عملٍ معيّن، إلا أنها لاتقدر أن ترغم إيران على ترك الأراضي السورية". وقد تكون الرسالة الروسية لإسرائيل هي، سوف لن نتدخّل لابعاد إيران عن حدود الكيان الإسرائيلي.
الرئيس السابق للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية ونائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق عيران عتصيون، يؤكّد أن سوريا الآن أكثر مكاناً قابلاً للانفجار وقد تكون جبهة مفتوحة ضد إسرائيل، وإزالة الوجود الإيراني في جميع أنحاء سوريا، خارج نطاق سيطرة إسرائيل، كلام عتصيون من خلال حديث سابق له مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية شكّل صدمةً في الداخل الإسرائيلي خصوصاً بعدما ذكّر بصعوبة تخيّل القوّة العسكرية الإيرانية، وكيف كانت حسابات إسرائيل خاطئة بعد حرب الثماني سنوات مع العراق، وما يزيد من خطورة الوضع هو إمكانية دخول حزب الله الحرب.
وربما يطرح أحد سؤلاً.. هل يمكن أن تندلع حرب مفتوحة بين إيران وأميركا وإسرائيل؟.
انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي مع إيران وفَرْض العقوبات على طهران يأتي ضمن الحرب الأميركية - الإسرائيلية، على إيران لإبعادها عن الملفات العربية وتحديداً السوري والفلسطيني ودعم المقاومة اللبنانية، وذلك لتمرير مشاريع إسرائيل في المنطقة العربية، لكن الحرب المفتوحة والشاملة، قد تُخطأ إسرائيل وتدفع الولايات المتحدة للذهاب إليها في أية لحظة، بالأخصّ مع وجود رئيس في الإدارة الأميركية الحالية مثل دونالد ترامب، فإمكانية سحب الإيرانيين من سوريا الآن تبدو مُستحيلة وعلى إسرائيل أن تعي إنها باتت بمواجهة إيران والكفّة في سوريا تبدّلت لصالح محور المقاومة، لكن حتى اللحظة يبدو أن إسرائيل وأميركا في حيرة بهذا الخصوص، فلو استطاعت تل أبيب أو واشنطن أن تحدّد كلفة الحرب على إيران في سوريا لقامت بها منذ فترة، لكن الغموض حول القوّة الإيرانية يجعل الأوضاع تقف عند حافّة الانزلاق فقط.