بعد قانون القومية هل تصح المُراهنة على حل الدولتين؟
قد يعتقد الإسرائيليون وخاصة اليمين واليمين الفاشي أن قانون القومية، سوف يقدّم الحصانة للمشروع الصهيوني، لكنه بالوقت عينه يؤسّس لنظام أبرتهايد وفصل عنصري بغيض، وسوف يضع المشروع الصهيوني برمّته موضع تشكيك ومساءلة قانونية ودولية، والأهم أنه يُعيد الصراع إلى مربعه الأول.
كشفت حرب العام 1948 زيف القبول الصهيوني بقرار التقسيم والتعامل معه تكتيكياً وصولاً إلى القرار 194 والذي رغم إقراره بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، إلا أنه كرّس وضعاً جديداً يقر بواقع احتلال إسرائيل لمدينة القدس المدوّلة بموجب قرار التقسيم، واحتلال مساحات واسعة من مناطق الدولة العربية لا سيما مناطق الجليل وصولاً إلى الحدود اللبنانية، فقد نصّت بنود القرار الأساسية على تكريس الوساطة الدولية بين العرب والكيان الصهيوني، وذهبت إلى حد إلزامية التفاوض على حل سلمي، وإقامة علاقات بين الأطراف "المُتنازعة"، على خلفيّة أمر واقع هو الاحتلال، كان يفترض أن يقبل به العرب لتتم تلك الوساطة والمفاوضات والعلاقات... وهذا يعني حرفياً إجراء عملية توفيق بين قرار التقسيم وبين نتائج حرب 48 وما فرضته العصابات الصهيونية على الأرض بقوّة السلاح، بما في ذلك التطهير العرقي للقرى والمدن الفلسطينية، إضفاء شرعية على احتلال إسرائيل للقدس ولمناطق منحها قرار التقسيم للدولة العربية، وصولاً إلى اعتبار تمددّ إسرائيل على 78% من أراضي فلسطين أمراً منتهياً غير قابل للمراجعة.
كما تغاضى القرار 194 عن عملية نزع الملكية الفلسطينية للأراضي والممتلكات واعتبارها قابلة للتبادل أو التفاوض، وهي خطوة تجاوزت قرار التقسيم الذي اشترط عدم نزع الملكية من الفلسطينيين في الدولة اليهودية، ناهيك عن عدم الإشارة لمسألة الحقوق المدنية والسياسية والدينية. وفي حين نصّت الفقرة (و) من قرار التقسيم (181) على تزامن واشتراط إقامة الدولتين بموجبه، فإن القرار 194 شرّع للمهاجرين اليهود دولة خلافاً للقرار 181 وبمساحة أكبر مما منحها القرار، وعملياً شطب حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته تزامناً وتلازماً مع قيام الدولة اليهودية رغم كونه الشعب الأصيل غير المهاجر، فحرمان الأصيل من حق تقرير المصير ومنحه حصراً للدخيل، شكّل مدخلاً هاماً للمؤسسة الصهيونية لتجريد الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير.
يمكن اعتبار حرب حزيران 67 الضربة التي أجهزت على قرار التقسيم. ففي الجغرافيا استولت إسرائيل عسكرياً على كامل التراب الفلسطيني، وسياسياً أزاحت مرجعية الحل من قرار التقسيم إلى نتائج حرب الـ 48. وبات القرار 242 والقرار 338 بتفسيراتها المتضاربة هي تحديداً ما يُسمّى الشرعية الدولية، وانعكس ذلك ليس في أروقة الأمم المتحدة وحسب، وإنما في خطاب حركة التحرّر الوطني الفلسطينية أيضاً، بما فيها الأحزاب السياسية الفاعلة بين الجماهير العربية تحت المواطنة الإسرائيلية، والتي رفضت التقسيم في حينه لما حمله القرار من عناصر إجحاف بحق السكان الأصليين، وساقتها نتائج حرب 67 إلى التعامل مع قرار التقسيم بنوستالجيا بعيدة عن المطلبية، والتعامل مع نتائج حرب 48 أو ما اصطلح على تسميته حدود 67 على أنها حدود "الشرعية الدولية"، وحصر مفهوم الاستقلال الوطني وتقرير المصير للشعب الفلسطيني في مناطق الاحتلال الإسرائيلي من عام 67، بمعنى في الضفة الغربية وقطاع غزّة والقدس العربية.
اصطدام المقولة الصهيونية "أكثر ما يمكن من الأرض وأقل ما يمكن من العرب" بواقع ديموغرافي غير قابل لتكرار التهجير والتطهير العرقي، قاد المؤسّسة الصهيونية إلى مقولة أكثر عنصرية، وهي "أكثر ما يمكن من العرب على أقل ما يمكن من الأرض"، ولا يمكن تفسير مثل هذه المقولة بالقانون الدولي وحتى بالقانون الإسرائيلي، بغير تحويل التجمّعات السكانية العربية إلى معازل عرقية، على غرار نموذج الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
لا تنفصل اندفاعة المشروع الصهيوني في تصفية مرجعية الحل على أساس حدود العام 1967 عما أسمته الإدارة الأميركية "صفقة القرن"، ويأتي قانون القومية لمعالجة ما قد يترتّب عليه ضمّ الضفة الغربية لإسرائيل، إن كان ضماً كاملاً أو مجتزأً، وسريان القانون الإسرائيلي على هذه المناطق بالإضافة إلى مدينة القدس، بحيث ستضطر إسرائيل إلى التعامل مع كتلة سكانية عربية أكبر بكثير مما اعتادت التعامل معها داخل حدود 67.
تدرك إسرائيل أن غياب قدرة المؤسسة الصهيونية على تهجير سكان المناطق التي تسعى إلى ضمّها، سيضعها أمام مُعضلة ديموغرافية تحاول استباقها بقانون القومية، والذي يحصر حق تقرير المصير باليهود ويكرّس الدولة الواحدة ذات النظامين، بمعنى نظام ديمقراطي لليهود، ونظام فصل عنصري للعرب، بهدف التقليل من إمكانية العرب على التأثير في الدولة، وتكريس فوقية اليهود سياسياً واقتصادياً.
قد يعتقد الإسرائيليون وخاصة اليمين واليمين الفاشي أن قانون القومية، سوف يقدّم الحصانة للمشروع الصهيوني، لكنه بالوقت عينه يؤسّس لنظام أبرتهايد وفصل عنصري بغيض، وسوف يضع المشروع الصهيوني برمّته موضع تشكيك ومساءلة قانونية ودولية، والأهم أنه يُعيد الصراع إلى مربعه الأول. فإن كانت اتفاقات أوسلو قد منحت إسرائيل فنتازيا الصراع كصراع حدود، فإن قانون القومية يُعيد الصراع إلى مربع صراع الوجود.