العنوان إنساني والهدف تمرير صفقة القرن
من الواضح أن مسيرات العودة والقضية الفلسطينية تدخل منعطفاً استراتيجياً الأسابيع القادمة في توجّه واضح من أجل تدجين وترويض أطرافها لإتاحة مساحة مريحة للخطة الأميركية الإسرائيلية لتصفية القضية ، والتي ترى تل أبيب فيها فرصة تاريخية مع إدارة أميركية تتبنّى بالكامل المواقف الإسرائيلية التي تريد ضم القدس وتوطين اللاجئين وإنهاء دور الوكالة.
كل هذا الاهتمام بغزّة وحركة الوفود إليها سواء رسمية أو غير رسمية يؤكّد أن غزة الصغيرة التي تشكّل%1.5 من مساحة فلسطين التاريخية استطاعت أن تفرض نفسها على المشهد الإسرائيلي والعربي والدولي وتبرز غزّة القضية الفلسطينية التي يُراد تغييبها أو تصفيتها وفق إملاءات إسرائيلية وأميركية تتضمّنها صفقة القرن، ويشير كل هذا الحراك إلى أنه لا يمكن تجاوز غزّة كونها جزءاً لا ينفصل من الصراع مع الاحتلال ومهما كانت ماهية ما تطرحه هذه الوفود فإن غزّة باتت تشكّل صمام أمان للقضية وحائط صدّ أمام المحاولات التي تبذل لتصفيتها وإنهائها.
غزّة تعاني منذ أكثر من عشرة أعوام الحصار وشلل اقتصادها ومنعها من التواصل مع الإعلام في محاولة لترويضها كي تندمج في الوقائع التي خلقها اتفاق "أوسلو" ونقل تجربة "أوسلو" في الضفة المحتلة إلى غزّة لكن كل ذلك لاقى فشلاً ذريعاً ولم تنجح ثلاث حروب مدمّرة على غزّة في فرض الاستسلام لتعود هذه المحاولة مجدداً بصورة أخرى تحت العنوان الإنساني بإغرائها بمشاريع توقف التدهور الحاصل في الوضع الاقتصادي الاجتماعي ورغم عدم جدية هذا التوجّه ومحاولة إعطائه وجهة إنسانية فمن الواضح أن هناك ثمناً سياسياً مقابله يتعلق بتهدئة ما يسمّيه الاحتلال جبهة غزّة إلا أن هذا التوجّه يبيّن بوضوح أن الجهد الإسرائيلي لتغييب غزّة بالحصار وقتل الحياة فيها لم يؤتِ أكله.
لا يمكن فصل الحراك تجاه غزّة عن مسيرات العودة التي تستمر للشهر الرابع على التوالي والتي فرضت واقعاً سياسياً جديداً وأدوات متجدّدة في مواجهة الاحتلال خلق حال الإرباك والقلق السائدة في دولة الاحتلال من النتائج التي آلت إليها مسيرات العودة الأمر الذي استدعى ليس حراكاً دولياً وعربياً بل إسرائيلياً فرض أن يبحث المجلس الوزاري المصغّر موضوع غزّة وطرح مشاريع لتلافي ما يُسمّى الانفجار جرّاء مزيد من التدهور الحاصل ، فالاهتمام الحالي بغزّة مرتبط بشكل أساسي بمسيرات العودة وما أنتجته من حقائق باتت جزءاً من المشهد الاقليمي ، وضمن ذلك تأتي زيارة عدنان مجلي لغزّة ولقاء عباس مع سلام فياض واستعداد الأخير لزيارة غزّة وطرح مشاريع سياسية تتعلّق بالانقسام وبدء حراك جديد في المُصالحة تقوده مصر مع دعوة وفد من حماس لزيارة القاهرة.
لا يُخفى أن التحرّك الأميركي المتعلق بصفقة القرن الذي يقوده كوشنير وغرينبلات لم يلق نجاحاً وتجاوباً نتيجة الموقف الفلسطيني للمقاومة والسلطة الرافض لهذه البنود الواردة في الصفقة التي تريد تصفية القضية ، في ما يتعلق بالأرض واللاجئين والقدس الأمر الذي جعله يعود بخفى حنين ويتراجع الحماس الأميركي بهذا الصدَد وتلعب مسيرات العودة دوراً مهماً في هذا الصدَد وهي ترفع في جمعة الغد شعار إسقاط صفقة القرن ، إذ لا يمكن أن تفعل الصفقة في ظلّ المسيرات الرافضة لها والتصدّي الفلسطيني الشعبي والرسمي لها ، ومن هنا فإن لمسيرات العودة ارتدادات ذات تأثير على المستوى السياسي واستمرارها يُعتبر حائط صد ضد مخطّطات تصفية القضية.
في ضوء الدور السياسي لمسيرات العودة في إفشال ما يسمّى صفقة القرن يمكن فهم التحرّك الحالي في الموضوع الإنساني مع الإدراك الأميركي أن مستقبل الصفقة هو الفشل ، فجاء تركيز كوشنير وغرنبيلات على موضوع غّزة والتوجّه نحو دول الخليج لتوفير أموال لمشاريع تتعلق بغزّة وتمنع الانفجار ، ثم قدوم شخصيات رسمية وغير رسمية لتعرض مشاريع تتقاطع مع التوجّه الأميركي في الموضوع الإنساني مع طلب أميركي من دول الخليج لتوفير مليار دولار من أجل هذه المشاريع والتي يجب التعامل معها بمسؤولية وليس مجرّد إبر تخدير لتهدئة ما يسمّى إسرائيلياً جبهة غزّة تمهيداً لتمرير صفقة القرن ، والتأكيد على رفع كامل وليس جزئياً للحصار عن غزّة والسماح بحركة من دون قيود للأفراد والبضائع وإلغاء ما يسمّى منع دخول المواد ثنائية الاستخدام.
من الواضح أن مسيرات العودة والقضية الفلسطينية تدخل منعطفاً استراتيجياً الأسابيع القادمة في توجّه واضح من أجل تدجين وترويض أطرافها لإتاحة مساحة مريحة للخطة الأميركية الإسرائيلية لتصفية القضية ، والتي ترى تل أبيب فيها فرصة تاريخية مع إدارة أميركية تتبنّى بالكامل المواقف الإسرائيلية التي تريد ضم القدس وتوطين اللاجئين وإنهاء دور الوكالة ، وضمّ المستوطنات في منطقة "ج" التي تبلغ 62% من مساحة الضفة المحتلة ، وملامح هذه الرؤية تقوم سلطات الاحتلال بتطبيقها مع المخطّطات الواسعة للاستيطان ومصادرة الأراضي واقتلاع تجمّعات سكنية كما في الخان الأحمر وفي ضوء ذلك فإن مسيرات العودة بجانب إنهاء إجراءات السلطة ضد غزّة والولوج إلى مسار حقيقي المصالحة ستساهم بشكل كبير في التصدّي لهذه المخطّطات.