الرهانات الإسرائيلية تسقط في الجنوب السوري

الأحلام الإسرائيلية اصطدمت بعدة عوامل جعلتها تتبدّد بسرعة ومن أبرزها مقاومة سوريا حكومةً وشعباً، بالإضافة إلى الوجود الإيراني في هذه الجبهة، وكأن الحفرة التي حفرتها إسرائيل هي من وَقَعت بها، فتلك الجبهة ما عادت تحت تصرّف أصدقاء الكيان، بل تشهد تواجداً للإيرانيين ولحركات المقاومة من حزب الله إلى حركات أخرى من المقاومة العراقية اجتمعت في ما بعد تحت مُسمّى لواء تحرير الجولان.

اصطدمت الأحلام الإسرائيلية بعوامل جعلتها تتبدّد بسرعة ومن أبرزها مقاومة سوريا حكومةً وشعباً

منذ اندلاع الحرب التي أُديرت بالوكالة على سوريا، لتخريبها مجتمعاً ودولة، وكان لإسرائيل الدور البارز في السعي إلى إحراق الأخضر واليابس ووصول جماعات متطرّفة دينياً وعرقياً إلى سدّة الحُكم في دمشق، على أن تكون هذه الجماعات في ما بعد صديقة لكيان الاحتلال ولا تجد حرجاً في الدخول باتفاق سلام مع تل أبيب لتتحوّل سوريا من مُمانعة إلى خاضعة ومُطبّعة مع إسرائيل، فعمدت المخابرات الإسرائيلية إلى دعم المسلّحين وكان ذلك واضحاً من خلال مقاطع الفيديو التي انتشرت قبل أعوام عندما كان الصراع مُحتدماً بين الجماعات المسلّحة والدولة السورية، وكانت تُظهر جرحى المقاتلين الذين ينتمون إلى مفاصل مختلفة من الجماعات المسلّحة وهم يتلّقون العلِاج في المشافي الإسرائيلية ، ولا ينسى الجميع الذي خرج به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو مُتباهياً بزيارة الجرحى للاطمئنان على سلامتهم وهم يقدّمون شكرهم إلى إسرائيل على دعمها ورعايتها لهم، فهذا وغيره يُدلّل على أن البديل للدولة السورية الحالية سوف لم يجد في إسرائيل عدواً إذا إستطاع النيل من الدولة.
فهناك من لم يجد غباراً على دعم إسرائيل لفصائل معارضة كثيرة وتحديداً في الجنوب السوري، عندما قامت بعضها باستهداف الدفاعات الجوية السورية المتطوّرة على الحدود مع فلسطين المحتلة في عام 2011، ثم توالت بعد ذلك الهجمات الصاروخية الإسرائيلية لتدمير الدفاعات الجوية السورية ومنشآت حيوية تابعة للدولة السورية في الجبهة الجنوبية، يُضاف إلى ذلك الحظور المتميّز للمخابرات الإسرائيلية في غرفة الـ"موك" التي أُديرت بالمشاركة من قِبَل أجهزة مخابرات عربية ودولية، كانت مهمتها في الدرجة الأولى ضمان مصالح إسرائيل في سوريا وتوجيه الضربات القاصِمة إلى الدولة السورية، وكان مزعجاً للكثير من الوطنيين العرب الطمأنينة الإسرائيلية يوم ما سيطرت جبهة النصرة على مناطق حساسة في الجولان السوري على بُعد أمتار من جيش العدو الإسرائيلي وهم يتبادلون التحايا والحب.
هذه الأحلام الإسرائيلية اصطدمت بعدة عوامل جعلتها تتبدّد بسرعة ومن أبرزها مقاومة سوريا حكومةً وشعباً، بالإضافة إلى الوجود الإيراني في هذه الجبهة، وكأن الحفرة التي حفرتها إسرائيل هي من وَقَعت بها، فتلك الجبهة ما عادت تحت تصرّف أصدقاء الكيان، بل تشهد تواجداً للإيرانيين ولحركات المقاومة من حزب الله إلى حركات أخرى من المقاومة العراقية اجتمعت في ما بعد تحت مُسمّى لواء تحرير الجولان.
في شهر فبراير من عام 2018، تغيّرت قواعد الاشتباك تماماً لصالح دمشق، عندما استطاعت الدفاعات الجوية السورية من إسقاط طائرة إسرائيلية من طراز "F16" وإصابة أخرى وإجبار باقي السرب على العودة، هذا يعني أن الدفاعات الجوية السورية استعادت عافيتها مجدّداً وما باتت الأجواء خالية لسلاح الجو الإسرائيلي، وشكّل هذا صدمة كبيرة في الداخل الإسرائيلي، ثم إعلان دمشق بعد ذلك أن أية طائرة حربية إسرائيلية ستختترق الأجواء السورية ستقوم الدفاعات الجوية السورية باعتراضها، وفعلاً عادت إسرائيل الكرّة من جديد وتصدّت الدفاعات السورية لها بقوّة، وربما نستطيع القول، إن هذا الرهان الأول الذي سقط.
تفتّت الجماعات المسلّحة في الجنوب السوري واختلافها على الدعم والأموال والنفوذ والسلاح، جعلها تخرج بعض الشيء عن سيطرة المخابرات الإقليمية والدولية التي ترعاها، وهذا ساعد كثيراً على الإسراع على إظهار حقيقة المسلّحين الذين يقاتلون الدولة السورية، بالإضافة إلى خسارة العديد من المناطق الإستراتيجية نتيجة لضربات الجيش السورية وحلفائه، وكانت إسرائيل تعقد العزم على السيطرة التامة على هذه المناطق من قِبَل المسلّحين، وربما هذا الرهان الثاني أيضاً سقط.
دخول إسرائيل بقوّة في الحرب على سوريا من خلف الستارة هو لجّر سوريا من محور المقاومة وإضعاف حزب الله التي تُعتبَر سوريا ظهيراً مهماً له، وضماناً لوصول الإمدادات بالسلاح والدعم لمواجهة سياسة إسرائيل العدائية تجاه لبنان وسوريا، فالإسرائيلي افتتح المشهد كمّا أراد، لكنه لم يستطع التحكّم بالخواتيم، وجرت الرياح على عكس ما يشتهي، فحزب الله بات على حدود العدو يتدرّب ويُخطّط وربما يكون الجولان جبهة مفتوحة ضد إسرائيل إذا فكّرت بحربٍ مُدمّرةٍ على لبنان، وهذا ما وعد به صراحةً الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في أكثر من مناسبة كان آخرها في خطابه بالعاشر من محرّم الماضي، لنصل ربما إلى حقيقةٍ واحدةٍ تفرض نفسها على الساحة، وهي أن الخطط الإسرائيلية سارت عكسياً بصورةٍ شبه تامة وسقط هذا الرهان أيضاً.
وفي وقت ما، راهنت إسرائيل حتى على السكان العرب السوريين الذين يسنكون الجولان المحتل والمناطق والقرى القريبة منها في الداخل السوري، لكن هذا الرهان أيضا سقط بتكاتف أهالي الجولان المحتل مع الجيش السوري ودعمهم له.
وجاء الرد السوري على التجاوزات الصهيونية، بقصف مواقع لجيش الإحتلال الإسرائيلي في مطلع شهر آيار/مايو، من العام هذا، ليعطي صورة واضحة لاتقبل الشك عند الإسرائيلين، أن جبهة الجولان بات تقلق إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وهنا تحركت تل أبيب سريعا لتخرج بأقل الخسائر، وذلك عبر الطلب من موسكو بضمانات لإبعاد القواعد العسكرية الإيرانية عن الجولان وهذا المطلب بات ملحا حتى عند الإدارة الأميركية، ففي زيارات متكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الى روسيا، طلب من الرئيس الروسي إخلاء الجولان من أي تواجد أيراني أو قوات لحزب الله أو حركات المقاومة الأخرى، وهذا يدلل على قلق إسرائيل البالغ إزاء القواعد العسكرية سواء كانت الإيرانية أو الأخرى التابعة لحركات المقاومة على أمنها الداخلي.
وربما تكون العديد من الإستفهامات ضرورية فيما يخص الجنوب السوري وتحديدا الجولان، فكيف ستتعامل موسكو من الطلبات الإسرائيلية؟. وكيف سيكون موقف طهران؟. وماذا عن دمشق؟. وهل سيقبل حزب الله بترك الجولان؟.
من وجهة نظري المتواضعة، تكون الإجابة على هذه التساؤلات عبر المعرفة والغوص في طبيعة العلاقة والتحالف بين إيران وسوريا وحزب الله من جهة، وبين الحلف المتين بين موسكو ودمشق والتنسيق المؤثر بين طهران وموسكو من جهة أخرى.
فموسكو لا تعامل دمشق كتابع لها، ولا طهران تستطيع أن تضر بالمصلحة العليا للدولة السورية، فالكل يعمل بحدود واضحة وهناك تسيق سياسي وعسكري لدعم الدولة السورية، وتبقى قضية الكلمة الأخيرة فيما يخص الجولان والتواجد الإيراني لدمشق، واعتقد أن دمشق لا تجد حرجا من التواجد الإيراني أو حزب الله في تلك الجبهة، بل تجد فيها الفرصة المناسبة لإستعادة أراضيها المحتلة منذ عام 1967، وردع العدو الإسرائيلي، بالإضافة الى جعل الجولان جبهة مفتوحة ضد إسرائيل لكسرها وردعها عن أي عدوان على سوريا أو لبنان، وطالما ما تفكر به طهران هو ما تتمناه دمشق وحزب الله وحركات المقاومة وهو ضرب إسرائيل وزوالها، فسوف لم يجد أحدا حرج من التواجد الإيراني هناك مهما كان ثقله، ولماذا يسمح لأسرائيل أن تتواجد على حدود إيران من جهة إقليم كردستان العراق وتمارس نشاطا إستخباريا وتهديدا مستمر للداخل الإيراني ولا يحق لإيران العمل على التواجد على مقربة من إسرائيل.
أما الضغوط الأميركية- الإسرائيلية على موسكو، فهي تأتي مضيعة للوقت وتعميقا للأزمة السورية عبر الإستمرار في دعم الجماعات المسلحة، ومحاولة لدق إسفين بين حلفاء دمشق، عبر دفع روسيا للتصادم مع إيران حول تواجد الأخيرة في الجنوب السوري.