الراهِن المغربي على شفا حفرةٍ من النار

بالرغم من أن "الدستور" المغربي ينصّ في العديد من مواده ويركّز في آن على أن حرية التظاهر والتجمهُر والاحتجاج والفكر.. يحميها ويكفلها "الدستور"، إلا أن ذلك يبقى حبراً على الأوراق وكفى، وللدولة المخزنية الكلمة الفصل في كل الأمور، فكما هو معلوم أن الانتفاضات المغربية المستمرة سواء في تازة 2011/2012 أوفاس، جرادة أو الحسيمة، كانت ولاتزال مطالبها كلها تصبّ في مجرى العدالة الاجتماعية من سكن، شغل، صحة وما إلى ذلك.

زعيم انتفاضة الحسيمة ناصر الزفزافي

إن المُتتبّع لأطوار المحاكمة الدراماتيكية لمناضلي ومناضلات الانتفاضة المجيدة التي عمت وتعم ربوع وطننا المغرب السقيم بداء الاستبداد المنتشر في سائر جسده، لا تُخفى عنه السيناريوهات المرتقبة والمتوقّع حدوثها في واقعنا الاجتماعي "المريض"، وأول تمثّل يتبادر إلى الذهن هو أن النظام السياسي في المغرب لايلعب بالنار وفقط، بقدر ما أنه يقفز على فوهة النار ذاتها، فكما يقول المثل العربي، "يستحيل أن تسلم الجرة من الانكسار كل مرة".

فعندما نرى ونسمع الأحكام الصادرة من طرف "المحكمة" المغربية في حق مُعتقلي الانتفاضة المجيدة في مدينة الحسيمة الريفية، إذ بلغ توزيع الأحكام إلى ثلاثة قرون سجناً نافذاً على مجموع المُعتقلين والمُعتقلات، بمن فيهم  صغار السن، فهذا الواقع الملموس يدلّ على أن القائمين على أمور دولة المغرب إما أنهم في حال ثمالة، أو أنهم يريدون إلغاء أنفسهم بآلياتهم هم.

بالرغم من أن "الدستور" المغربي ينصّ في العديد من مواده ويركّز في آن على أن حرية التظاهر والتجمهُر والاحتجاج والفكر.. يحميها ويكفلها "الدستور"، إلا أن ذلك يبقى حبراً على الأوراق وكفى، وللدولة المخزنية الكلمة الفصل في كل الأمور، فكما هو معلوم أن الانتفاضات المغربية المستمرة سواء في تازة 2011/2012 أوفاس، جرادة أو الحسيمة، كانت ولاتزال مطالبها كلها تصبّ في مجرى العدالة الاجتماعية من سكن، شغل، صحة وما إلى ذلك.

إلا أن النظام المخزني أبى أن يجعلها في فلك الممنوع والمحظور، بمعنى، عِشْ يا مواطن ويا مواطنة في دولة المغرب في مستنقع الذلّ والفقر والمرض وقس على ذلك. من دون أن تقول لا ولا للاستبداد عامة وتنتفض عليه، حتى بات المواطن المغربي من كثرة الرعب لايستطيع فتح فاه إلا عند طبيب الأسنان.

دعونا ببساطة نحلّل ونفسّر حيثيات اعتقال زعيم انتفاضة الحسيمة "ناصر الزفزافي" المناضل الشريف بكل المقاييس، بصرف النظر عن الجهات المدسوسة التي حاولت امتطاء موجة الحراك في ذات المدينة، فعندما وصلت الانتفاضة ذروتها وبات النظام المخزني قاب قوسين أو أدنى من الخنوع لكافة مطالب ساكنة الحسيمة المنتفضة، جاءت القشّة التي عدّلت من موازين القوّة بين النظام المخزني وما بين "ثوار وثائرات الريف"، فعندما وجّه "ناصر" النقد اللاذِع "لإمام" مسجد أثناء اجتراره لخطبة صلاة الجمعة المُعدّة سلفاً كما هو مُتعارَف عليه في المغرب، وكان ذلك النقد اللفظي وفقط،  هو من قاد "ناصر" إلى غياهِب السجن السيّىء الصيت "عكاشة" وتم الحُكم عليه بعشرين سنة سجناً نافذاً، ففي هذا السياق تنبغي الإشارة إلى أن الدين تاريخياً هو مَن يكرِّس دول وامبراطوريات الاستبداد، سواء كان ديناً يهودياً أو مسيحياً أو كما في نموذجنا إسلامياً، فالدين من هذا المُنطلق التاريخي هو مَن يُضفي الشرعية على الأنظمة المُستبدّة التي تخط ّبالواضح على "دساتيرها" أن الدين هو الثابِث المقدّس ولايجوز مساسه بأيّ شكلٍ من الأشكال، حتى وإن كان  هذا المساس في اللاوعي ، أي لايمكنك حتى أن تنوي ذلك، فالدين أو بالأحرى، الإسلام كما في واقعنا المغربي، صار "كطعم السمك" ينصب لكل من سولّت له نفسه أن يثور أو ينتفض من أجل المطالبة بالحق كيفما كان.