ولكن اليمن لا بواكي لها..
مع أن القوانين الدولية تتيح لأية دولة أن تقيم علاقاتها مع مَن تشاء، وكيف تشاء.. لكن المجرمين الذين يقومون بالتطبيع مع إسرائيل كل حين، ويقومون بإمداد أميركا بكل ما يجبونه من أموال الأرض والسماء، يرفضون ذلك، ويحاربون لأجل ذلك حفاظاً على أمنهم القومي، مُتناسين إسرائيل التي هي المهدّد الأكبر لأمن المنطقة، ومُتناسين أميركا أعظم دولة إمبريالية في التاريخ.
كلما أرى تلك الصوَر الفظيعة لما يحصل في اليمن من دمارٍ وأمراضٍ وسفْكٍ للدماء مع التجاهُل الإعلامي والديني لكل ذلك، والبكاء في نفس الوقت على تلك المسرحيات المزيّفة التي يقوم بها الإرهاب العالمي كل حين في سوريا أتذكّر ما ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما رجع من أُحد، فجعلت نساء الأنصار يبكين على مَن قُتِل من أزواجهن، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "ولكن حمزة لا بواكي له".
وهذا ما يصدق تماماً على اليمن الجريح المظلوم الذي يعيش الفقر والجوع والحصار مع كونه صاحب آبار بترول كثيرة نُهبت منه منذ أكثر من قرٍن من الزمان، ونهب معها الكثير من ثرواته، وعندما نهض يطالب بحقوقه، ويسترجع سيادته على أرضه، رفعت شمّاعة علاقته بإيران ليُقتَل أطفاله، وتُدَّمر مؤسّساته بسببها.
مع أن القوانين الدولية تتيح لأية دولة أن تقيم علاقاتها مع مَن تشاء، وكيف تشاء.. لكن المجرمين الذين يقومون بالتطبيع مع إسرائيل كل حين، ويقومون بإمداد أميركا بكل ما يجبونه من أموال الأرض والسماء، يرفضون ذلك، ويحاربون لأجل ذلك حفاظاً على أمنهم القومي، مُتناسين إسرائيل التي هي المهدّد الأكبر لأمن المنطقة، ومُتناسين أميركا أعظم دولة إمبريالية في التاريخ.
والمشكلة أن هذه الدولة العربية تُضرَب باسم الحفاظ على العربية، ولست أدري أية عربية يقصدون؟.. وهل كانت اليمن في يومٍ من الأيام دولة غير عربية؟.. وهل خرج العرب من غيرها؟.. وهل العروبة إلا تلك الشهامة والنخوة اليمنية؟.. وهل وجدت في التاريخ حضارة عربية غير الحضارة اليمنية التي ذكرها القرآن الكريم وأشاد بها؟
لكن الأعراب الذين ذكرهم القرآن الكريم، واعتبرهم {أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: 97]، راحوا يعتبرون أنفسهم الأوصياء على العرب، فيؤدّبون من شاؤوا، ويقربّون من شاؤوا، وينسون أنهم عبيد لأميركا وأذنابها، وأنهم لا يفعلون شيئاً من دون مشورتها.
وينسون أن اليمن هي مهد المقاومة العربية ضد الصهيونية وكل أشكال الاستعمار التابعة لها، ولا زال أنصار الله الذي هم جزء أساسي من اليمن يرفعون شعار الموت لأميركا وإسرائيل.
لكن كل ذلك يتجاهله الإعلام المغرض، ويتجاهله أولئك الذين يزعمون لأنفسهم تمثيل الدين والنُطق باسمه مع أنهم ليسوا سوى أدوات للصهيونية والامبريالية الأميركية والغربية، لا يتحرّكون إلا وفق مشيئتها.
إن مسؤوليتنا عن اليمن عظيمة، فسنسأل جميعاً عن كل صبي قُتِل، وعن كل امرأة ترمّلت أوثكلت بأبنائها.. وسنسأل عن تلك الأعراس التي تحوّلت إلى مآتم، وعن تلك الزهور التي حوّلها الطيران العربي إلى قبور.. وسنسأل عن جزيرة سقطرى ذلك الأرخبيل اليمني الموجود في المحيط الهندي، والذي يحاول الأعراب تحويله ـ مثل بلادهم ـ إلى وكرٍ من أوكارِ الرذيلة، ويتصارعون من أجل ذلك.
سنسأل عن كل ما حصل ويحصل في اليمن.. ولِمَ لم نبك عليها؟.. ولِمَ لم نرفع أصواتنا استنكاراً لما يحصل لها؟
إن اختبار اليمن لن ينجو منه إلا الصادقون الذين لا يخافون إلا الله، ولا يتوجّهون بعبوديتهم إلا له.. لذلك أدعو كل صادقٍ إلى نصرةِ اليمن.. ولو بكلمةٍ أو بصورةٍ معبّرة.. أما السكوت، فهو علامة الرضا، والحياد في هذا الوقت ليس سوى اصطفاف مع الظَلَمة، وفي المواقف يتبيّن الرجال، ويتميّز الأبطال.