ما يُهدّد قمّة الدول الصناعية

كانت قمّة مجموعة الدول السبع الكبرى "صناعياً" الأخيرة مختلفة ومشتعلة نسبياً بين أعضاء التكتل الذين باتوا فى حال متصاعدة من الاختلافات بين قضايا تجارية وأخرى تتعلّق بأطرافٍ دولية كروسيا وإيران. 

كانت قمّة مجموعة الدول السبع الكبرى "صناعياً" الأخيرة مختلفة ومشتعلة نسبياً بين أعضاء التكتل

قمة كندا الأخيرة حملت طابعاً (متمراد) من أقرب الحلفاء للولايات المتحدة سواء القوى الأوروبية "فرنسا- ألمانيا- بريطانيا -إيطاليا- اليابان"، إضافة إلى الجار الأقرب جغرافياً كندا، فالمصالح الأميركية لاتروق إلى باقي الأطراف ولا تعتبرها في مصلحتها بعدما بدأ ترامب في اتخاذ إجراءات تجارية يرى البعض أنها قد تسبّب في عزلة حقيقة للولايات المتحدة إذا استمرت على هذا النحو.
ترامب هو من أطلق الرصاصة الأولى قبيل القمّة بساعات عندما أقرّ بفرض رسوم جمركية مشدّدة على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبى وكندا والمكسيك، رغم أن الاتحاد الأوروبي قد حذّره في آذار/ مارس الماضي من خطر نشوب "حرب تجارية" مع الولايات المتحدة، متوعّداً بفرض رسوم جمركية قاسية على بعض السلع الأميركية، في حال مضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب قُدماً بمساعيه لفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم، وعندها ذكر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إن الحروب التجارية "سيّئة ومن السهل خسارتها"، وذلك رداً على قول ترامب إن هذه الحروب "جيدة ومن السهل الانتصار فيها".
القوى الأوروبية المشاركة في القمة لم تصمت طويلاً، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا مركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي اجتمعوا قبل بدء القمّة للإعراب عن نفاد صبرهم من تهديدات ترامب بحربٍ تجارية، وبعد المحادثات قال ماكرون إن زعماء مجموعة السبع سيضغطون في شأن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على واردات المعادن، ولكن «يجب أن يبقوا مهذّبين» بينما يحاولون إقناعه بتغيير موقفه.
القمّة التى كان يتضمّن جدول الأعمال الخاص بها خمسة موضوعات رئيسة، يتقدّمها الاستثمار في النمو الاقتصادي، وتمكين المرأة، ومكافحة الاحتباس الحراري، تحوّلت إلى قمّة خلافية بحته بعدما فرضت الخلافات بين الحلفاء (الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وفرنسا واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي) حول التجارة والرسوم الجمركية نفسها بقوّة على القمّة على رغم أنّها غير مُدرَجة على أجندة القمّة.
الوضع لم يقف عند هذا المنوال حين أعلن البيت الأبيض قراراً بعدم حضور الرئيس الأميركي القمّة حتى ختامها، على خلفيّة مُشاحنة بينه وبين ماكرون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ما يعني عملياً غياب ترامب عن توقيع الوثيقة النهائية لقرارات القمّة.

وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز إن ترامب سيغادر ولن يحضر لقاء قادة دول المجموعة لبحث شؤون البيئة والتغيرات في المناخ وتلوّث المحيطات، كما لن يحضر غداء العمل الرئاسي.
إلا أن القوى الأوروبية لم تتأثر بهذا التغيّب وتستشعر القلق، وعكست تصريحات ماكرون عدم الاهتمام بالأمر إذ قال: «الرئيس الأميركي قد لا يعارض العزلة، ونحن أيضاً لا نمانع في توقيع اتفاق بين الدول الست إذا لزم الأمر»، إضافة إلى أن مصادر قد رجّحت أن تطرح فرنسا وكندا سيناريوهات مُحتملة لمجموعة السبع الكبرى، منها تحوّل المجموعة إلى "6+1" بسبب مواقف ترامب المُغايرة للدول الست.
ترامب حبّذ إثارة الأزمات في تلك القمّة من خلال التطرّق إلى مجريات الخلاف مع الدبّ الروسي عندما جدّد الدعوة إلى عودة روسيا إلى مجموعة السبع، رغم معارضة واسعة النطاق من قادة أوروبيين في كندا وقال ترامب، للصحافيين قبل فترة وجيزة من انتهاء قمّة مجموعة السبع، "أعتقد أنه سيكون من المفيد عودة روسيا، أعتقد أنه سيكون أمراً جيّداً بالنسبة لروسيا وللولايات المتحدة، كما أعتقد أنه سيكون جيّداً لدول مجموعة السبع".
الأمر لم يرق أيضاً للقوى الأوروبية التي ردّت من خلال ما أعلنه قصر الإليزيه إنّ فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا، الدول الأوروبية الأربع المشاركة في قمّة مجموعة السبع، اتّفقت على رفض عودة روسيا للقمّة التي طردت منها بسبب الأوضاع في جزيرة القرم.
الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيرانى كان أحد أهم النقاط الخلافية الرئيسة بين ترامب وباقي الأطراف، وكان أمراً رئيسياً في حال العزلة التي بدا عليها ترامب خلال القمّة، خاصة وأن قرار ترامب بالانسحاب جاء بعد محاولات من قِبَل قيادات بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى إثنائه عن هذا القرار، إلا أن محاولاتهم ذهبت سُدى، ليتّخذ ترامب قراره في النهاية بالانسحاب. وهكذا انتهت القمّة التي أظهرت الخلافات الأوروبية مع الولايات المتحدة بشكل أكثر وضوحاً عن الأوقات السابقة والتي شكّلت عزلة حقيقية للرئيس ترامب.