فلسطين والقدس الحاضر الأول في السياسة الإيرانية

حال القضية الفلسطينية أصبحت واضحة ولا تحتاج إلى مَن يزيد صورتها وضوحاً، فليس على ساحة الفعل الجهادي المقاوم سوى إيران، ومحورها المقاوِم في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، وقريباً سينضم إليها اليمن بأنصاره.

لم يكن الربيع العربي الذي حل بديار بعضنا بكاشِف الكرب عن القضية الفلسطينية،

بعيداً عن كل مزايدة وتضخيم، وتعاملاً مع واقع أصبح اليوم كفلقة القمر في ليلة داجية، يبدو أن القضية الفلسطينية قد أفل نجمها في سماء الأنظمة العربية، وغابت المواقف القديمة التي كان يردّدها زعماؤها، (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بالكيان الصهيوني)، ولم يبق من ذلك الذي كان زمن الأحلاف، سوى شيء من المُجاملات والتعابير الباهِتة، التي ينطق بها أحياناً البعض، ممَن بقي فيه شيء من المبدئيات.

بل لقد استُبدِلت تلك الشعارات التي كانت تستفزّ مشاعرنا حماسة وإيماناً، بأن القضية الفلسطينية هي بين أيدٍ لا يمكن أن تتخلّى عنها أو تخذلها، في التطبيع مع الكيان الصهيوني، لتَخفّيها عن المشهد العلني، للسياسات الخارجية لدولنا العربية، وصل أوجّه في الأعوام الأخيرة إلى مستوى التعاون والتحالف والتبادُل معه، من دون خوف أو وَجَل من الشعوب التي اكتشفت متأخّرة، أنها آخر مَن يعلم وآخر مَن يُحسَب لها حساب.

ولم يكن الربيع العربي الذي حل بديار بعضنا، بكاشِف الكرب عن القضية الفلسطينية، فما لمسناه إلى حد هذا اليوم من شهر رمضان المبارك الذي من المُفترض أن يُحسّسنا كشعوبٍ عربية مسلمة ببعضنا البعض، من حيث الالتزام بقضايانا المصيرية ومواساة أهلنا في فلسطين بما في الإمكان، وهو شهر جهاد وتضحية وتعاون وإيثار، لكن هيهات أن يحصل ذلك، وقد قطع الحبل السرّي لمودّة، كانت لها مكانة في القلوب والسياسات، ولم يخلُ موقعها إلا بعد أن ظهرت أعراض التطبيع مع الكيان الصهيوني. 

ربيع عربي كنا نعتقد أنه كفيل بإخراجنا من دكتاتوريات أنظمة، إلى فضاء الحرية الرحب الفسيح، غير أننا بمرور الأيام، اكتشفنا أنه (ربيع عبري) بأتمّ معنى التعبير، حيث بدت عورة التطبيع في أردأ ثوب، وأسوأ مظهر، مخالف تماماً لإرادة شعوبنا العربية، في التشبّث بالقضية الفلسطينية، والاستمرار على نهج مُعاداة الكيان الصهيوني، والعمل على نُصرة أشقائنا في فلسطين بالمُستطاع، فما قدّمناه من شهداء، يكفي دليلاً على مشترك القضية.

وعوض ذلك بدت أنظمتنا متخلّية عن فلسطين، فكان النظام المصري ولا يزال مشاركاً في حصار قطاع غزّة، جنباً إلى جنب مع الكيان الصهيوني، كأنهما توأمان من بطنٍ عاهِر، وبلا أدنى حياء - وغالباً ما يغيب الحياء عن صاحب الحجر.

وبكل أسف وأسى وحزن أجد نفسي مُجبراً، على نعي القضية الفلسطينية، عند البوابة العربية الرسمية، فلم يعد لها أثر يوحي بأنها لا تزال حيّة، والأرجح أن جثمانها قد دفنه قوم تُبّع (الخليجيون) في قبرٍ منسي بلا مراسم، وصفقة القرن التي أعلنها الشيطان الأميركي ترامب، ستكون عند الإمضاء عليها، خاتمة المطاف لمسار أنظمة عربية رديئة السياسة، خُيّرت بين مصلحة شعوبها - ظاهراً - ومصلحة فلسطين فاختارت مصلحتها.

الاستثناء العربي الوحيد الذي نفخر ونعتزّ به، هو حبل الوصل المتين الذي لا يزال يربط طلائع شعوبنا، وحركاتها السياسية وفصائل مقاومتها، التي لا تزال مُتشبّثة بالقضية الفلسطينية، وتعمل بلا كَلَل ولا مَلَل، من أجل إبقائها حيّة فاعِلة، يحدوها أمل كبير في أنه بقي نظام إسلامي، أخذ العهد على نفسه بألا يتنازل عنها، ووفى إلى اليوم بالتزامه الكامل بها، هذا النظام هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي قدّمت الكثير لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ولم تدّخر جهداً ولا إمكانية، من أجل تطوير أساليب مقاومة العدو الصهيوني، بل إنها كانت رأس الحربة، التي مزّقت اوصال الجماعات الإرهابية التكفيرية، في العراق وسوريا، وأفشلت مخطّطاً غربياً خطيراً، كان يستهدف القضاء على محور المقاومة.

مضت إيران على جراحها الاقتصادية النازفة، ولم يُجدِ تكبيل أميركا لها بمختلف أنواع العقوبات، عن ثنيها عما أخذته على عاتقها من التزام بتحرير فلسطين، منذ أن أعلنها الإمام الخميني رحمه الله مُجلجلة ومُدوّية، صمّت آذان العالم، لا مكان لإسرائيل على أرض فلسطين، وهي غُدّة سرطانية خبيثة يجب أن تزول من المنطقة.

لقد راهن الإمام الخميني على الشعوب الإسلامية ولم يولِّ لأنظمتها اعتباراً بخصوص القضية الفلسطينية لمعرفته بأنها أنظمة لا تملك إرادتها، وليس لها قرار سياسي نابع من ذواتها، وقد أثبتت التجارب أنها كانت ولا تزال تعيش تحت الهيمنة الغربية الأميركية، ومن أجل ذلك دعا إلى توخّي سبيل مقاومة هذا العدو بكل الطُرق والأساليب المُتاحة جماهيرياً.

وقد نجح مشروعه اليوم، في الوصول إلى مستوى، جعل دول الغرب بزعامة أميركا، يحاولون جهدهم إنهاء هذه الحال، المُهدّدة لكيانهم اللقيط، ولم يعد هناك مجال للصبر على عيش كيانهم، تحت تهديد تنامي محور المقاومة المبارك، وسعيهم المُكثف والحثيث - منذ أن تولّى (ترامب) رئاسة أميركا - من أجل طيّ صفحة فلسطين نهائياً، بالاستعانة بعملائهم من دويلات أعراب الخليج التي قامت أساساً بفضل بريطانيا وأميركا، وحان الوقت أميركيّاً لكي يوفّي هؤلاء الأشقياء دينهم للشيطان.

حال القضية الفلسطينية أصبحت واضحة ولا تحتاج إلى مَن يزيد صورتها وضوحاً، فليس على ساحة الفعل الجهادي المقاوم سوى إيران، ومحورها المقاوِم في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، وقريباً سينضم إليها اليمن بأنصاره، لتتشكّل أمّة حزب الله الغالبين، ويرى العالم سقوط الشيطان الأميركي، بقرنيه الوهّابي والصهيوني في زماننا هذا، والأمل بتحقّق الوعد الإلهي معقود على ذلك، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.