عراق ما بعد الانتخابات: مَن سيُشكِّل الحكومةَ المُقبلة؟
من الواضح أن عدداً ليس بقليلٍ من الكياناتِ السياسيةِ الفائِزة سيتّجه صوب المعارضة في المجلس النيابي في المرحلة المقبلة، لأن بوادر التحالفات المقبلة تشي بأن "سائرون" قريب من "تيّار الحكمة" بزعامة عمّار الحكيم، وهناك تقارُب أيضاً مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود برزاني، وليس ببعيدٍ عن هذا الخط "تحالف القرار العراقي" بقيادة أسامة النجيفي وخميس الخنجر، وهؤلاء أجمع على تواصل مع "إئتلاف النصر" بزعامة رئيس الحكومة المُنتهية ولايته حيدر العبادي ويبدو لامانع لديهم من تجديدِ الثقةِ له بولاية جديدة، وهذه الخريطة السياسية المُتوقّعة في المستقبل القريب، لاتمانع واشنطن إذا باتت أمراً واقعاً وبل وتسعى إليه.
الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 من أيار/ مايو الجاري، حصلت في ظروفٍ استثنائيةٍ من تشكيكِ بعض الجهاتِ السياسية بإمكانية نجاح الانتخابات فنياً، وخصوصاً في ما يتعلّق بعمل أجهزة العدّ والفَرز الإلكتروني وقُدرة المفوضية على إدارة العملية الانتخابية، ومن جهةٍ أخرى كانت حركة المُقاطعة للانتخابات تكبر يوماً بعد آخر احتجاجاً على إعادة تصدير العديد من الوجوهِ السابقةِ للمرحلةِ المقبلة، وكان العامل الخارجي مُتمثّلاً بالتدخُلِ والإشرافِ الأميركي حاضراً أيضاً من خلال عددٍ من المُستشارين الفنيّين، بالإضافة إلى حركةٍ مكوكيّةٍ للسفارةِ الأميركيةِ في بغداد ومبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق بريت ماكغوريك، الذي أخذ يُكثِّف جولاته بين بغداد وأربيل لتشكيلِ الكتلةِ الأكبر داخل مجلس النواب وبالتالي يخرج منها رئيس الحكومة المقبلة.
النتائج التي أفرزتها انتخابات 2018 بتقدّم كتلة "سائرون" المدعومة من زعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر ثم الفتح بقيادة هادي العامري وبقيّة الكتل تِباعاً في أغلبِ المحافظات، تُعطي حقيقة واحدة، وهي لا فائز في هذه الانتخابات يستطيع تشكيل الحكومة، فمَن يمتلك 165 مقعداً يستطيع حينها أن يُشكِّل الكابينة الوزارية لأنه يمتلك 50+1 في المجلس النيابي، وهذا ما لم يتحقّق لأيّ تحالفٍ أو جهةٍ سياسية بعد الانتخابات.
يعني ذلك أن الجهات السياسية عليها أن تتّجه صوب تفاهُماتٍ وتوافُقاتٍ على جَمْعِ العددِ المطلوب من المقاعد لتشكيلِ الحكومة، وهذا يعني أن مبدأ التوافق الذي تزداد المُطالبات الشعبية حتى السياسية لهجرته سيعود كحلٍ وحيدٍ لايمكن تجاوزه لترى الحكومة المقبلة النور، وهذا ما كانت تسعى إليه واشنطن وتريد الحفاظ عليه في العملية السياسية العراقية (التوافق) أو يُسمّيه الكثير بـ (المُحاصَصة الطائفية)، وهذه بحدِ ذاتها كفيلة بضرب مشروع الأغلبية السياسية الذي طُرِحَ كحلٍ لتعافي العراق من تبعاتِ المُحاصَصةِ والفساد على مدى الأعوام السابقة.
لكن من الواضح أن عدداً ليس بقليلٍ من الكياناتِ السياسيةِ الفائِزة سيتّجه صوب المعارضة في المجلس النيابي في المرحلة المقبلة، لأن بوادر التحالفات المقبلة تشي بأن "سائرون" قريب من "تيّار الحكمة" بزعامة عمّار الحكيم، وهناك تقارُب أيضاً مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود برزاني، وليس ببعيدٍ عن هذا الخط "تحالف القرار العراقي" بقيادة أسامة النجيفي وخميس الخنجر، وهؤلاء أجمع على تواصل مع "إئتلاف النصر" بزعامة رئيس الحكومة المُنتهية ولايته حيدر العبادي ويبدو لامانع لديهم من تجديدِ الثقةِ له بولاية جديدة، وهذه الخريطة السياسية المُتوقّعة في المستقبل القريب، لاتمانع واشنطن إذا باتت أمراً واقعاً وبل وتسعى إليه.
أما على الطرف الآخر، فتحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، ويمكن له إن تقارب مع "ائتلاف دولة القانون" بزعامةِ نوري المالكي، وهناك نوع من التناغُمِ مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" وحركة "التغيير الكردستانية" وحركة "من أجلِ العدالة والديمقراطية" بزعامة برهم صالح، وبالإضافة إلى كتلٍ كرديةٍ وسنيّةٍ وتركمانيةٍ أخرى يمكن أن تلتحقَ بهذا المشروع الذي يميل إلى مبدأ الأغلبيةِ السياسيةِ على حسابِ التوافقية أو المُحاصصاتية، لكن هذه الكتل إذا اجتمعت لاتبدو شخصية رئيس الحكومة المقبلة واضحة، إلا أنها تنحصر بين المالكي والعامري.
فهكذا تسير خارطة التفاهُمات الحالية بعد النتائج الانتخابية العراقية، وإذا تشكّل فعلاً أحد التحالفين مما سبق، فالثاني سيذهب إلى المعارضة لمُراقبة عمل الحكومة في البرلمان، لكن السياسة يبقى الثابت الوحيد فيها هو المُتغيّر، هذا يعني أن خارطة التفاهُمات قد تتبدّل بناء على مصلحة حزبية أو عامة أو نتيجة لضغط داخلي أو خارجي، لأن التحالف الأول يمكن ترتّب أميركا أوراقه، لكن السؤال يُطرح هنا.. هل يقبل زعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر، الذي يدعم تحالف "سائرون" المُتقدّم في الانتخابات الأخيرة أن يدخل ضمن فريق تدعمه الولايات المتحدة الأميركية؟.
فشخصية السيّد الصدر لا توحي أنه سيجلس على طاولةِ حوارٍ واحدةٍ مع الأميركي أو يقبل بتدخّلٍ واضحٍ من مبعوث الإدارة الأميركية في صيرورة هذا التحالف أو خيارته المسقبلية، خصوصاً وأن التيّار الصدري قاتلَ الجيش الأميركي في العراق وأعطى أعداداً كبيرة من الشهداء، لكن هذه الإشكالية قد تعمل واشنطن على تلافيها، فيمكن للسفارة الأميركية ومبعوث الرئيس الأميركي ، يمكن لهم أن يتمدّدوا بصورةٍ ناعمةٍ للتأثيرِ في هذا التحالف تجنّباً للصِدام بشخصِ السيّد الصدر، خصوصاً وأن موقع "أتلانتك" الأميركي كتبَ في مقالةٍ مطوّلة، أن الصدر لم يعد عدواً للولايات المتحدة، لكنه شريك ليس سهلاً، وبات أكثر براغماتية من قبل.
أما الفريق الآخر فهو يبتعد كثيراً عن التأثير الأميركي، ويعتبر والكتل الكبيرة به توجد لديها العديد من المشتركات الاستراتيجية مع محور المقاومة في المنطقة، ويتّهم هذا الفريق أنه يرتبط بدرجةٍ كبيرةٍ مع طهران، لكن الأخيرة تمتلك الكثير من الصداقات في الفريقين عموماً.