لعبة ليّ الذراع بين وزارة التربية ونقابة الثانوي
نور الدين الطبوبي غاضب من تطوّرات الملف إلى حد من شأنه خلق الصراع بين هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل، هيئة إدارية وطنية هي ثالث سلطات القرار بعد المؤتمر الوطني والمجلس الوطني حسب النظام الداخلي للمنظمة تجتمع بشكلٍ طارئ لتقرّر إنهاء مظاهر الأزمة والعودة للتفاوض، ملتقى جهات الجامعة العامة للتعليم الثانوي يقرّر "الإطاحة بقراراتها ويقرّر بدوره العودة للتدريس لكن من دون التفريط في "حربة" حجب الأعداد عن الإدارة "قميص عثمان" الذي لم ولن تتراجع وزارة التربية عن تصلبها من دون نزعه عن النقابة.
أعلنت الجامعة العامة للتعليم الثانوي الإثنين الماضي عن العودة للتدريس والسعي لتعويض ما فات التلاميذ من دروس خلال عطلة الأسبوع التي تنطلق بداية الأسبوع المقبل، شرط ألا تمسّ الوزارة من أجور الأساتذة.
لهجة الشرط التي تضمّنها بيان اجتماع جهات الجامعة العامة للتعليم الثانوي لم ترق لوزارة التربية ، لا سيما أمام تواصل الإصرار على حجب أعداد التلاميذ عن الإدارة، حدت بالوزارة إلى ترجمة غضبها عبر التأكيد على رفضها المساس برزنامة العطل التي أقرّتها في مفتتح السنة الدراسيّة في تصعيد جديد، سيكون له حتماً رد من الطرف المقابل.
أزمة انطلقت منذ قرّرت الهيئة الإدارية القطاعية للتعليم الثانوي في 11 كانون الثاني/ يناير الماضي، تنفيذ إضراب عام بيوم واحد يوم 15 شباط/ فبراير وحجب أعداد امتحانات السداسي الأول عن الاإدارة، لتفتح المجال أمام ماراثون من جلسات التفاوض والتأويلات والاتهامات التي بلغت حدّ التخوين أحياناً سواء من ممثلي النقابة أو من الوزارة، من دون أن يتغيّر شيء في الملف، المطالب ذاتها ما زالت قائمة والرفض ذاته مايزال رد الحكومة عليها.
في الأثناء تطوّرت "الخصومة" لتبلغ الإعلان عن تعليق الدروس بداية من الثلاثاء 17 نيسان/ أبريل الجاري، إعلان مثّل منعرجاً خطيراً في هذا الملف، وألقى بظلاله على كل مؤسّسات الدولة من الحكومة إلى مجلس نواب الشعب ورئاسة الجمهورية الكلّ تجند ليبحث الحلول كل وفق ما يرتأيه وما يمليه عليه موقعه.
الاتحاد العام التونسي للشغل بدوره استشعر خطورة الملف وتداعياته وأدرك أن تواصله على ما هو عليه من شأنه الإضرار بالمنظمة، خاصة مع تنامي الضغط المُسلّط عليه باعتباره من الباقين على عهد وثيقة قرطاج التي أتت بالشاهد وحكومتيه من ناحية وباعتباره الحاضنة التي انطلقت منها الأزمة من ناحية أخرى.
نور الدين الطبوبي غاضب من تطوّرات الملف إلى حد من شأنه خلق الصراع بين هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل، هيئة إدارية وطنية هي ثالث سلطات القرار بعد المؤتمر الوطني والمجلس الوطني حسب النظام الداخلي للمنظمة تجتمع بشكلٍ طارئ لتقرّر إنهاء مظاهر الأزمة والعودة للتفاوض، ملتقى جهات الجامعة العامة للتعليم الثانوي يقرّر "الإطاحة بقراراتها ويقرّر بدوره العودة للتدريس لكن من دون التفريط في "حربة" حجب الأعداد عن الإدارة "قميص عثمان" الذي لم ولن تتراجع وزارة التربية عن تصلبها من دون نزعه عن النقابة.
تأتي كل هذه التطوّرات متجاهلة المكوّن الرئيسي في العملية التعلّمية الذي يقف حائراً بين مطالب أساتذته الذين أقنعوه سواء قهراً أو طوعاً بوجاهتها بما يمكن له أن يجني وأجيالاً لاحقة من تحقيقها وبين مصلحته الراهنة في نيل أعداده ليقيّم نفسه ويستعد لقادم استحقاقاته من امتحانات ومناظرات وغيرها، ألا وهو التلميذ.
بين هذه الإكراهات، صُوِّر الصراع على أنه معركة بين الأساتذة "الأنانيين" كما نُعتوا والتلاميذ "المساكين" الذين لا حول لهم ولا قوة إلا أن يراقبوا في صمتٍ تطوّرات ملفّ هم المعنيون الأوَل به وبمخرجات جولاته.
الثابت أيضا أنّ الحكومة محرجة إلى حدٍ لم تعد فيه قادرة على إخفاء واقع البلاد الاقتصادي و"أنّات خزائنها الخاوية" لتخرج عن صمتها وتعلن عجزها عن تلبية "الحق" الذي يطالب به الأساتذة، لأن الدّولة بصحيح العبارة مُفلسة ولا سبيل أمامها لمواجهة سيول النفقات إلا المزيد من التداين الذي أرهقها سلفاً، وأنها عجزت أمام أدفاق الاحتجاجات ومطالب التشغيل والزيادات وعشرات الملفات التنموية المُعطّلة بسبب أو من دون أسباب، ولعلّ العجز المسجّل في خلاص مستحقات المتقاعدين خير إثبات على هذا التخبّط.
اللجنة المنبثقة عمّا تبقّى من الأطراف المُمضيّة على وثيقة قرطاج لم تستطع النأي بنفسها عن المسارات التي آل إليها الملف، ذلك أن في عهدتها صوغ تصوّرات الحلول المستقبلية للوضع الاقتصادي والاجتماعي وبلورة رؤية واضحة لملف الإصلاحات الكبرى وحتى مستقبل الحكومة، هذه اللجنة من مكوّناتها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي استنزفّه الصراع المدرسي وأثّر على موقعه فيها، الاتحاد كان مستفيداً من خيار دعمه لوثيقة قرطاج التي أهّلته للتفاوض حول مستقبلها من موقع القوّة، وجد تركيزه ينصبّ على أزمة الثانوي ليعقد في ظرف أسبوع اجتماعين طارئين لمكتبه التنفيذي الوطني وجلسة استثنائية للهيئة الإدارية الوطنية ، عجزت جميعها أمام إصرار الجامعة العامة للتعليم الثانوي على المضيّ قدماً في مطالبها وفي أدوات معركتها المثيرة للجدل.
ملفات عديدة كانت في مقدّمة اهتمامات الاتحاد العام التونسي للشغل أهمها التصدّي للتفويت في المؤسّسات العمومية وصوغ تصوّر لإصلاحها يضمن استمرارها، التغيير الجوهري للحكومة الذي قد يعني التخلّي عن "إشارة الأمان" التي كان يمنحها للشاهد والبحث عن بديل له، كلّها ملفّات أخفتَ ملف الثانوي صوت الاتحاد فيها، وقد يُجبر على التراجع عن مواقفه فيها لقاء حلّ مُرضٍ لمنظوريه المربّين.
أزمة الثانوي لن تنته بعد ومازال في نصّها فصول لم تُدرك بعدُ، لكنها كشفت في العمق حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فضلاً عن هشاشة التوافقات التي انبنت عليها وثيقة قرطاج بما لا يدع مجالا للشكّ باهتزاز المشهد السياسي في تونس حتّى تحكم تفاصيله ملفّات كانت لتكون ثانوية في وضع آخر.