خلفيّة التهديدات الأميركية
على خلفيّة التهديدات الأخيرة حرّكت الولايات المتحدة قواتها في المنطقة استعداداً لتوجيه ضربة إلى سوريا، لكن جميع تلك التهديدات تجسّدت بضربة محدودة لمطار الشعيرات العسكري في حمص وأقل ما توصف به تلك الضربة أنها تأتي لحفظ ماء الوجه، بعد التوعّد السوري الروسي الأيراني بالرد على أيّ هجومٍ أميركي غربي.
الاتهام الثالت أتى في عام 2018، في 7 نيسان/أبريل من هذا العام ويسمى هجوم دوما، بعد تحرير الجيش السوري للغوطة الشرقية لدمشق والسيطرة عليها باستثناء دوما التي تحرّرت لاحقاً وكان يسيطر عليها فصيل "جيش الإسلام" المدعوم سعودياً، وكان مستعداً للخروج من دوما كبقية الفصائل التي سبقته بالخروج، لكن المباحاثات كانت جارية مع الطرف الروسي المفاوض الذي كان يقف هو والجيش السوري على أبواب دوما، كل هذا يعني أن دوما كانت بحكم المحرّرة، فما هي إلا ساعات ويُنفذ الاتفاق بخروج مسلّحي جيش الإسلام، تفاجأ الجميع باتهامات جديدة إلى دمشق باستخدام السلاح الكيميائي في دوما.
وكان هذا الأتهام واضحاً أنه حجّة لبعثرة أوراق دمشق وموسكو وطهران بالإضافة إلى حزب الله، الأطراف التي تخرج منتصرة من كل المعارك التي خاضتها ضد المسلحين، فعدّة أسباب أضعفت الاتهام الأميركي الغربي ومن بعض الدول العربية من أهمها، لماذا تستخدم دمشق غاز الأعصاب وهي منتصرة وحقّقت كل أهدافها بإخراج المسلحين وفقاً لشروطها، وفي المنطقة تتواجد وحدات من الجيش السوري والشرطة العسكرية الروسية وحلفاء دمشق وهذا يعني أنهم سيتعرّضون للخطر جميعاً، ولحُسن حظ دمشق كان إخراج أشرطة الفيديو أسوأ من المرّات السابقة بكثير للمُصابين جرّاء استنشاق الغاز ، والدليل على استخدام الغاز المذكور من قِبَل الجيش السوري هو فقط تغريدات للرئيس الأميركي دونالد ترامب وتحريض خليجي، فلا يوجد أيّ دليل ملموس أيضاً على استخدام القوات السورية أو الروسية لغاز الأعصاب.
لكن أميركا التي توعّدت الجيش السوري والروس الذين أعلنوا الدفاع عن دمشق في حال تعرّضها لعدوان غربي، توعّدت بصواريخ ذكيّة ومتطوّرة وبضربة عسكرية ستشلّ الدولة السورية، وهذا لاقى تأييداً غربياً- خليجياً وبات العالم ينتظر ماذا ستفعل أميركا، لكن للمرة الثالثة تمخّض الجبل فولّد فأراً أمام صمود سوريا حكومة وشعباً وحلفاء دمشق، حيث لم تجرؤ الولايات المتحدة على إطلاق أكثر من 110 صواريخ بغضون 50 دقيقة، واستطاعت الدفاعات الجوية السورية أسقاط أكثر من 71 صاروخاً منها، وشكّلت أنظمة الدفاع الجوي السورية قبّة حديدية للمطارات العسكرية السورية، ولم تستهدف الضربات سوى مراكز للأبحاث العلمية ومطاراً عسكرياً وانحرفت بعض الصواريخ الذكيّة عن مسارها لتصيب ثلاثة مدنيين فقط.
وهناك بعض الأسئلة المهمة التي ربما تُطرَح.
• لماذا تصرّ واشنطن في كل مرة على استخدام دمشق غاز الأعصاب من دون دليل ملموس وتهدّد بضربة عسكرية؟
ربما يكون الجواب الأنسب هو: لأن استخدام السلاح الكيميائي ما هو إلا ذريعة لواشنطن ومَن معها للتأثير على مسار الأحداث في سوريا وعرقلة تقدّم الجيش السوري للسيطرة على مناطق البلاد، خصوصاً بعد استهداف الجيش السوري في منطقة البو كمال في عام 2017 تحرّكت بعد ذلك داعش واقتحمت ثكنات للجيش السوري وعند استهداف مطار الشعيرات على خلفية حادثة خان شيخون تحرّكت داعش أيضاً في بعض المناطق، ما يعني أن أية ضربة عسكرية خارجية تستفيد منها الجماعات الإرهابية وتوسّع نطاق سيطرتها.
• لماذا التسفيه في السيناريو حول كيفية وأسباب استخدام غاز الأعصاب من قبل الجيش السوري؟.
وقد يكون الجواب على ذلك إن أميركا والدول الغربية الحليفة لها لا تحترم قرارات مجلس الأمن الدولي وتتحرّك وفقاً لما تراه هي حصراً، فلا ترى ضرورة لميثاق الأمم المتحدة وإذا أرادت أن تمارس عدواناً فلا يردّها عن ذلك سوى الجدوى منه، فتشاهد أميركا تهدّد وتنفّذ أو لا تنفّذ ليس استناداً إلى مجلس الأمن أو التحقيقات الشفافة بل وفقاً لمصالحها حصراً.
• لماذا كانت الضربات الأميركية في خان شيخون والعدوان الثلاثي الأخير(أميركا، فرنسا، برطانيا) محدودة وكأنها لحفظ ماء الوجه بعد سيل من التهديدات؟
الجواب: لأنهم منذ اتهامات عام 2013، باتوا يعرفون صمود سوريا في وجه أيّ تهديد غربي، بالإضافة إلى وجود اللاعبين الإيراني والروسي والتوعّد بالردّ على أيّ تهديد أو عدوان واسع يستهدف سوريا، ولأن الحرب على سوريا هي حرب محور على آخر ، فهناك محور منتصر يتمثل بمحور المقاومة وآخر يعاني الهزائم برعاية أميركية غربية ودعم خليجي، فتأتي هذه الضربات على أساسين.
الأول: هو الانتقام من الجيش السوري وروسيا وإيران وحزب الله على خلفية الانتصارات الميدانية على وكلاء واشنطن والرياض في سوريا من مسلحين. والثاني: هي التزامات أميركية تجاه دول عربية سعت وتسعى إلى الإطاحة بالدولة السورية ومنها السعودية وقطر، فالرياض دفعت المليارات من الدولارات إلى واشنطن لشراء الأسلحة وترجيح كفّة المعارضة في سوريا، ومن هنا لا يمكن لواشنطن إلا أن تتحرّك كردٍ على ضرب أدوات الخليج في سوريا حتى يبقى استنزاف المال الخليجي مستمراً، ولكن واشنطن في حيرة من أمرها، فكلامها لايشبه فعلها، تتكلّم عن إسقاط الدولة السورية وبهذا تكون قد حصلت على مبلغ كبير من المال الخليجي وأمنّت لإسرائيل الراحة المُستدامة، لكنها عند الفعل لا تستطيع فعل أكثر مما فعلته، وقد يرجع السبب بذلك لأن العالم بات فعلاً متعدّد الأقطاب.