كيف أربكت مسيرة العودة حسابات المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية

إسرائيل دولة مُحتلة تُجهّز نفسها وتُراكم قوّتها لكل الحروب، لكن مواجهة سيل من البشر، تتطلّب حسابات أخرى، إن زحفاً كهذا وحده الكفيل بتحييد القوّة الإسرائيلية بشكلٍ كبير، وإن من أبرز المشاكل التي بدأ الفعل الشعبي في مسيرات العودة الكبرى يؤثّر فيها على المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية تتمثّل في، انعكاس هذا الفعل الجماهيري على الخلافات السياسية الإسرائيلية والمطالبة بلجان تحقيق ستؤثّر على تماسُك الجيش الإسرائيلي، لأن الخسارة الإسرائيلية في مواجهة هذه المسيرات كانت في مجال الوعي والصورة والمُقابلات الصحفية والبثّ المباشر للفضائيات التلفزيونية

شكّل الإنهاك المُتزايد بسبب استمرار الحراك الشعبي المستمر على الحدود مع القطاع قلقاً لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية

بغضّ النظر عن ترسانة الأسلحة المتطوّرة التي يملكها جيش الاحتلال الإسرائيلي مُقارنة بما تملكه قوى المقاومة، فإنه يواجه الكثير من الأزمات والمشاكل القاتِلة التي تجعله غير قادر على حسم وكسب المواجهات في مواجهة شعب أعزل وفي المعارك المُنخفِضة الشدّة، وذلك لأن الأسلحة المتطوّرة لا تُحارب وحدها، بل تتوقّف كفاءتها وفاعليتها القتالية على إرادة العنصر البشري الذي يقف وراءها.      
إسرائيل دولة مُحتلة تُجهّز نفسها وتُراكم قوّتها لكل الحروب، لكن مواجهة سيل من البشر، تتطلّب حسابات أخرى، إن زحفاً كهذا وحده الكفيل بتحييد القوّة الإسرائيلية بشكلٍ كبير، وإن من أبرز المشاكل التي بدأ الفعل الشعبي في مسيرات العودة الكبرى يؤثّر فيها على المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية تتمثّل في، انعكاس هذا الفعل الجماهيري على الخلافات السياسية الإسرائيلية والمطالبة بلجان تحقيق ستؤثّر على تماسُك الجيش الإسرائيلي، لأن الخسارة الإسرائيلية في مواجهة هذه المسيرات كانت في مجال الوعي والصورة والمُقابلات الصحفية والبثّ المباشر للفضائيات التلفزيونية، فهذا الجنرال تال ليف- رام الضابط العسكري الإسرائيلي، كتب يقول في معاريف إن مسيرات العودة تصدّرت الجدل السياسي والإعلامي في إسرائيل، وفرضت على الجيش حالة من الاستنفار والاستعداد غير المسبوقة منذ سنوات، خاصة في ما يتعلّق بتعزيز القوات العسكرية، كما برز ذلك في هجوم مسؤولين إسرائيليين وجمعيات حقوقية ضد قيادة الجيش ووزير الداخلية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بعد استخدام الاحتلال القوّة المُفرطة مع المُتظاهرين ما أدّى إلى استشهاد عددٍ كبيرٍ من  الفلسطينيين، مع تصاعد التحذيرات من تكرار السيناريو ذاته في التعامُل مع أهالي غزّة حال خروجهم مجدّداً نحو الحدود الجمعة المقبلة، حيث قادت زعيمة حزب "ميرتس" الإسرائيلي اليساري، تامار زاندبيرغ، حملة ضد الجيش الإسرائيلي، داعية من خلالها إلى فتح تحقيق عاجِل في الجرائم التي ارتكبها الجيش بحق متظاهري "يوم الأرض".

وقالت زاندبيرغ إن "فتح تحقيق حقيقي ينبغي أن يبدأ على الفور بهدف استخلاص الدروس والامتناع عن حدوث تصعيد آخر"، مطالبة بـ" رفع الحصار المفروض على قطاع غزّة، وبحث تقديم تسهيلات إنسانية لسكانه بدلاً من المضيّ في إشعال الأوضاع وإثارة موجة عنف جديدة" ، كما نظّمت جمعية نسائية إسرائيلية تحمل إسم "تحالف النساء للسلام" تظاهرة للتنديد بالمجازر التي ارتُكِبَت بحق الفلسطينيين المشاركين في المسيرة، وحمل المشاركون لافتات كُتِبَ عليها "أوقفوا المذبحة.. ارفعوا الحصار"، كما فصلت إسرائيل مذيعاً إخبارياً، بعد منشور له عبّر من خلاله عن أسفه كونه إسرائيلياً بعد سقوط ضحايا فلسطينيين في أحداث قطاع غزّة يوم الجمعة الماضية ليردّ عليه ليبرمان قائلاً: "نحن أيضاً نخجل بسبب وجود مُذيع مثل كوبي في إذاعة الجيش، ومن الأفضل أن تغادر الإذاعة"، هذا وقد سخر ناشط حقوق إنسان يهودي من ادّعاءات الحكومة الإسرائيلية، بأن حركة حماس هي المسؤولة عن المجزرة التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون ضد المتظاهرين الفلسطينيين الجمعة الماضية، مؤكداً أن " تل أبيب أصبحت لديها الخبرة في تبرئة نفسها من الجرائم".

كما شكّل الإنهاك المُتزايد بسبب استمرار الحراك الشعبي المستمر على الحدود مع القطاع قلقاً لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فأدخلته في حال استنفار وإرباك، وخصّصت قياداته العسكرية الاجتماعات الخاصة، ناقشت فيها مختلف السيناريوهات، وأعلن عن المنطقة الحدودية منطقة عسكرية مغلقة، فيما كان وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان يتلقّى التقارير تباعاً عن المُستجدات في مقرّ الوزارة في تل أبيب، وأفادت الإذاعة العبرية بأن ليبرمان ينظر إلى «مسيرة المليون» كحدثٍ استراتيجي من الدرجة الأولى، وهو ما حدا أيضاً بالجنرال أيزنكوت إلى التوجّه شخصياً إلى الحدود، ولم يتردّد ليبرمان في توجيه نداء باللغة العربية إلى أهالي غزّة على حسابه في «تويتر» كتب فيه: «إلى سكان قطاع غزّة: قيادة حماس تُغامِر بحياتكم. كل مَن يقترب من الجدار يُعرّض حياته للخطر. أنصحكم بمواصلة حياتكم العادية والطبيعية وعدم المشاركة في الاستفزاز» .

ويعد التخوّف من عدم التعامُل الجيّد مع هذه المسيرات إنه قد يؤدّي إلى اشتعال الضفة الغربية والتدحرج لحرب، هاجساً للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وفي هذا السياق ذكر الناطق العسكري الأسبق باسم الجيش الإسرائيلي الجنرال آفي بنياهو لصحيفة معاريف، إن الأحداث على حدود غزّة تتطلّب من إسرائيل التعامُل مع القطاع بحسم وحساسية في الوقت ذاته، خاصة أن هذه المسيرات تحدث في أوقات حسّاسة جداً، وقابلة للانفجار، فاليأس في القطاع بلغ مداه، وبات يُهدّد باندلاع حالة من الفوضى، وأضاف في مقال له إن الأزمة في غزّة التي عبّرت عنها المسيرات تستلزم انتباه إسرائيل، لأنها مَن ستدفع ثمن المُعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع، ويعتقد الإسرائيليون أن وجود هذه المسيرات من شأنه أن يسرّع حصول هذه المواجهة، يوآف ليمور الخبير العسكري في صحيفة إسرائيل اليوم قال، إن مسيرات العودة الفلسطينية شكّلت تحدّياً حقيقياً وجاداً للقوات العسكرية الإسرائيلية، ووجود تقدير لدى الجيش بأن حماس قد لا تكون لديها رغبة بتدهور الوضع الميداني خلال هذه المسيرات، لكنهم يعترفون بأن هذه الأوضاع الأمنية قد تتدحرج وتخرج عن السيطرة، ما يجعلهم يتحضّرون للسيناريو الأسوأ والأكثر تطرّفاً.