هل تستكمل الحكومة الجزائرية السياسة الاقتصادية المجحفة؟
الحكومة الجزائرية ستترك فقط الدعم الموجّه لسلع رئيسة، كالخبز والحليب وربما البنزين في الفترة الحالية، وذلك حسب تصريحات العديد من المسؤولين في الدولة بالرغم من أنها في مُجملها ليست سوى تصريحات مُتضارِبة وضبابية، فكل هذه الإجراءات ستكون لها عواقب وخيمة على الأمن الاجتماعي العام، لأنَّ رفْع الدَّعم عن السّلع والخدمات حتى سنة 2026م كما هي رؤية واستراتيجية حكومة أويحيى الاقتصادية، سيؤدّي إلى دخول البلاد في نفق اقتصادي مُظلِم
منذ استلام السيِّد أحمد أويحيى لدفّة قيادة سفينة الحكومة في العام الماضي خلفاً للسيِّد عبد المجيد تبون، وهو يتبع سياسات اقتصادية صارِمة وصِفَت بأنها مُجحِفة في حقِّ فئات واسعة من المواطنين، فالسياسات الاقتصادية المُتّبَعة في عهده، والتي اتّسمت بزيادة في حجم الرسوم والضرائب والأعباء المالية، وخفض رواتب الموظفين في عدَّة قطاعات، والعجز عن التفاعُل الإيجابي مع مطالب فئات اجتماعية عاشت التهميش والإقصاء والحرمان لسنوات، فقانون المالية سنة 2018م، والذي يُعتبَر استمراراً للقوانين المالية 2016-2017م، والتي يمكن اعتبارها بحسب مراقبين للوضع الاقتصادي في الجزائر، من أسوأ القوانين التي صادقَ عليها البرلمان الجزائري بغرفتيه منذ عقود طويلة.
وهي القوانين التي أضرّت كثيراً بالقدرة الشرائية للمواطنين والتي تراجعت بشكلٍ رهيب، حيث انهارت القُدرة الشرائية للمواطن الجزائري البسيط بحوالى 60 بالمائة في سنة 2016م، و إلى حدود 35 بالمائة في سنة 2017م، فتقرير البنك الدولي الذي صدر في شهر سبتمبر سنة 2017م، قد أكّد أن هناك حوالى 10 بالمائة من الجزائريين أصبحوا يعيشون تحت مستوى خط الفقر، بسبب القوانين المالية الجائِرة تلك.
فالسّياسة الحكومية التي جاء بها أحمد أويحيى والتي تريد رفْع الدعم عن الوقود ومشتقاته بصفةٍ نهائية، وهذا الأمر إن حدث فعلاً وبشكلٍ كامل، فإن التقارير الاقتصادية المُحايدة تقول: بأن هناك حوالى 80 بالمائة من أبناء الطبقة الوسطى سيتحوّلون إلى أناسٍ مُستحقّين للدعم الاقتصادي والاجتماعي، فهذه السّياسة الاقتصادية الكارثية، والتي تُعتبَر في نظر البعض الحلَّ الأمثل الذي لجأت إليه الدولة، من أجل التخفيف من حدَّة الأزمة المالية التي تضرب البلاد منذ انخفاض أسعار المحروقات في الأسواق الدولية، وبالرغم من كل هذه الإجراءات الاقتصادية المُطبّقة من طرف الحكومة فإنها لم تنجح بعد في الموازنة بين أعباء الحكومة المالية، وبين الإبقاء على سياسة الدعم المفتوح التي كانت مُتّبَعة منذ الاستقلال، لذلك فإنها ستكون مُضطرة لترشيد هذا الدعم، وإعطائه للفئات المحرومة والفقيرة من دون سواها مع العِلم بأنَّ هناك حوالى 6 سلع رئيسة مُدعَّمة من طرف الدولة، وحوالى 8 قطاعات أساسية كقطاعيّ الصحة والتربية والتعليم على سبيل المِثال لا الحصر.
فالحكومة الجزائرية ستترك فقط الدعم الموجّه لسلع رئيسة، كالخبز والحليب وربما البنزين في الفترة الحالية، وذلك حسب تصريحات العديد من المسؤولين في الدولة بالرغم من أنها في مُجملها ليست سوى تصريحات مُتضارِبة وضبابية، فكل هذه الإجراءات ستكون لها عواقب وخيمة على الأمن الاجتماعي العام، لأنَّ رفْع الدَّعم عن السّلع والخدمات حتى سنة 2026م كما هي رؤية واستراتيجية حكومة أويحيى الاقتصادية، سيؤدّي إلى دخول البلاد في نفق اقتصادي مُظلِم، لأن انتشار الآفات الاجتماعية كالفقر والبطالة نتيجة هذه السياسات الخاطِئة، سيؤدّي إلى حدوث انزلاقات اجتماعية واقتصادية خطيرة.
وبدل أن تلجأ حكومة أويحيى إلى السَّيطرة على السوق الموازية والتي تحتوي مثلما قال محافظ بنك الجزائر السيّد محمّد لوكال على حوالى 300 ألف مليار سنتيم، وكذلك تعمد إلى فتح مكاتب صرافة رسمية، تدفع ضرائبها للدولة، وإغلاق أسواق العملة الصعبة غير الشرعية، والموجودة في قلب العاصمة، بالإضافة إلى كراء أقامات الدولة المنتشرة عبر التراب الوطني للمستثمرين الأجانب أو الخواص.... الخ، فكل هذه الإجراءات يمكن أن تحل مشاكل الاقتصاد الجزائري وبشكلٍ نهائي، ولكن حكومة أويحيى كالعادة تختار أسهل الحلول، والتي لا تُدخلها في صِدام مباشر مع عصب الحُكم المختلفة، فالمواطن الجزائري المغلوب على أمره هو مَن يدفع ثمن السّياسات الاقتصادية غير المدروسة دائماً في نهاية المطاف.