اﻻنتخابات العراقية .. بين التدخّل الخارجي والخيارات الوطنية

بين تجاذبات السياسة وبازارات الانتخابات وتدخُلات الخارج وحسابات الداخل، تذهب عيون المواطن العراقي إلى الشق المتعلّق بحياته وتأمين لقمة عيشه وتوفير الخدمات وما إلى ذلك، فإن لا أحد يمكنه نكران الاستياء الكبير الذي يسود الشارع العراقي من السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة بعد العام 2003، وإخفاقها في توفير المشاريع الخدمية وتفشّي ظاهرة الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة مقابل ضعف كبير في مجال محاربته أو الحد منه، ولهذا فإن من المُلاحَظ أن هناك حالة من العزوف عن المشاركة في الانتخابات باعتبار أنها لن تقدّم شيئاً للمواطن كسابقاتها وهو أمر طبيعي نتيجة خيبات أمل متكرّرة، هذا العزوف أيضاً أشار إليه النائب عباس البياتي في حديث له مع قناة الميادين متحدثاً عن "ضرورة حثّ الناخبين على المشاركة الفاعِلة في الانتخابات وعدم مقاطعتها".

إستياء كبير يسود الشارع العراقي من السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة بعد العام 2003

لاشك أن الانتخابات التشريعية العراقية المُزمَع إجراؤها في 12 من أيار/مايو المقبل، تكتسب طابعاً مختلفاً عن سابقاتها لعدّة عوامل منها، أنها أول انتخابات تُجرى بعد نجاح العمليات العسكرية ضد الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش على الرغم من بقاء فلول لهذا التنظيم هنا وهناك، ما يعني أن شعبية الكتل الانتخابية التي تُعتَبر بشكل أو بآخر "الواجهات السياسية" للحشد الشعبي، ربما ستكون الأكثر.

وهذا ما يبرّر الخوف الأميركي من هذه الانتخابات بل والمحاولات لإنشاء قواعد عسكرية لها ثابتة في العراق أو على أقل تقدير مواقع عسكرية، وهو الأمر الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه عبر ممارسة الضغوط على الحكومة العراقية الحالية قبل إنتهاء ولايتها، على الرغم من الرفض الحكومي حيال ذلك حتى لحظة كتابة هذا المقال، لكن أوساطاً تتحدث عن صفقة عرضتها أميركا على رئيس الوزراء حيدر العبادي لضمان حصوله على ولاية ثانية مقابل بقاء عسكري ثابت لها في العراق، فكلنا يعلم أن منصب رئيس الوزراء العراقي يخضع لتوافقات إقليمية ودولية والتي تنعكس بدورها على التوافق الداخلي والمحلي، وعلى الأخص في هذه الانتخابات التي تشهد "تشتّت" قوائم انتخابية طالما عُرِفِت وخلال كل الانتخابات التي أجريت بعد عام 2003، بأنها تحالفات واحدة موحّدة حتى مع وجود خلافات بين أعضائها إضافة إلى وجود أكثر من قائمة انتخابية لحزب واحد، مايعني أن كثرة هذه القوائم ستفضي إلى توزّع صوت الناخبين بشكل أكبر، ما يجعل الحاجة إلى ائتلافات بين كتل وقوائم انتخابية بعد إجراء الانتخابات، أمر لا بد منه.

وهذا ما أكده النائب عن التحالف الوطني علي العلاق والمرشّح ضمن تحالف النصر في الانتخابات المقبلة، خلال حديث تلفزيوني له من "أن تحالف النصر بزعامة حيدر العبادي وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي سيتحالفان بعد الانتخابات تحت مُسمّى جديد ليشكّلا الكتلة الأكبر داخل البرلمان" بحسب حديثه. 

وبين تجاذبات السياسة وبازارات الانتخابات وتدخُلات الخارج وحسابات الداخل، تذهب عيون المواطن العراقي إلى الشق المتعلّق بحياته وتأمين لقمة عيشه وتوفير الخدمات وما إلى ذلك، فإن لا أحد يمكنه نكران  الاستياء الكبير الذي يسود الشارع العراقي من السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة بعد العام 2003، وإخفاقها في توفير المشاريع الخدمية وتفشّي ظاهرة الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة مقابل ضعف كبير في مجال محاربته أو الحد منه، ولهذا فإن من المُلاحَظ أن هناك حالة من العزوف عن المشاركة في الانتخابات باعتبار أنها لن تقدّم شيئاً للمواطن كسابقاتها وهو أمر طبيعي نتيجة خيبات أمل متكرّرة، هذا العزوف أيضاً أشار إليه النائب عباس البياتي في حديث له مع قناة الميادين متحدثاً عن "ضرورة حثّ الناخبين على المشاركة الفاعِلة في الانتخابات وعدم مقاطعتها".

ومع ذلك فإن فريقاً آخر  وهم (المتفائلون) يتحدّثون عن أن إعادة الإعمار هي عنوان المرحلة المقبلة التي ستعقب الانتخابات، مستندين بذلك إلى طيّ صفحة التنظميات الإرهابية بشكلٍ شبه نهائي، لكن الخوف يبقى مشروعاً لدى آخرين من عمليات فساد قد تشوب مشاريع إعادة الإعمار فيما لو انطلقت بالفعل، ماقد يُعطّلها أو يتسبّب في وقفها.

وفي كل الأحوال فإن صراعات كبرى ستبسق موعد إجراء الانتخابات، تعكسها خيارات عدّة لمشاريع متعدّدة منها ماهو إقليمي ومنها ماهو دولي، بعضها يريد سحب العراق إلى جانب المحور المُعادي للمقاومة وحلفائها وسلب خياره الوطني واستخدامه كمنصّة لمحاربة كل من يُناهض الولايات المتحدة في المنطقة على وجه الخصوص.. لكن السؤال يبقى مفتوحاً عن مدى إمكانية القرار العراقي من مقاومة الضغوط التي تُمارَس عليه؟؟