المقاومة في مواجهة "المعارك بين الحروب"

إسقاط الطائرة مؤخراً نجاح حقيقي لمحور المقاومة في مواجهة الاستراتيجية الجديدة للجيش التي وضعها رئيس هيئة الأركان "غادي أيزنكوت" نهاية عام 2015، وهي تمثّل رفع تكلفة الاعتداءات وإثبات قدرة المقاومة على مواجهة الاستراتيجيات والخطط الهادفة إلى ضربها وتقويض قوّتها.

تكرّر استهداف الدفاعات الجوّية في سوريا وخاصة بعد تحديثها خلال السنوات الماضية

أثبتت حادثة إسقاط الطائرة الإسرائيلية من طراز f16 بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك حراكاً وردود فعل حقيقية بدأت تتّخذها أطراف المقاومة في شمال فلسطين المحتلة وجنوبها ، لمواجهة الاستراتيجية الجديدة للجيش الإسرائيلي وبالتحديد ما يُسمّى فيها "المعارك بين الحروب".

وتأتي الهجمات التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي طيلة السنوات الماضية ضد أهداف المقاومة في سوريا وقطاع غزّة في إطار ما يُسمّى "المعارك ما بين الحروب"، وهي أسلوب قتالي جديد يستهدف قدرات المقاومة في أوقات الهدوء واللا حرب.

ويمكن تعريف "المعارك ما بين الحروب" بحسب وثيقة استراتيجية الجيش الإسرائيلي بأنه شنّ حملات عسكرية محدودة جداً، هدفها توفير أطول فترة هدوء ممكنة عبر إضعاف "عناصر القوّة السلبية" لدى الخصوم ومنعهم ولو بالقوّة، من تطوير قدراتهم كي لا يستطيعوا "كسْر موازين القوّة"، وتوفير الظروف لتحقيق دولة الاحتلال "النصر السريع" في حال دخلت أي حرب مستقبلاً.

وهذا يعني أن طبيعة السلوك الأمني والعسكري في حالات الهدوء لجيش الاحتلال باتت تنبني على مواصلة أذرع الأمن لعملها الموحّد بهدف المسّ بـ "المنظمات والكيانات المسلّحة"، وإبعاد خطرها، وتقوية الردع عبر خلق حال من التهديد المتواصل والموثوق، وتقوية الردع على المستوى الاقليمي.

وبالنظر إلى العامين الماضيين فقد مارست دولة الاحتلال خلال السنوات الماضية "المعارك بين الحروب" ضد حركة حماس في قطاع غزّة، حيث كانت تستغل أيّ صاروخ يُطلَق على مستوطنات غلاف غزّة لضرب المُقدّرات الاستراتيجية لكتائب القسّام بهدف إضعاف قدراتها وخاصة تلك قد تشكّل عنصر قوّة في أية معركة مقبلة.

فيما استخدمت ذلك ضد حزب الله اللبناني والجمهورية السورية عبر استهداف متكرّر لقوافل السلاح المُتّجهة إلى لبنان، وخاصة تلك الأسلحة التي قد تشكّل تهديداً حقيقياً وكبيراً لكيان الاحتلال، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة والصواريخ المُضادّة للطيران، فيما تكرّر استهداف الدفاعات الجوّية في سوريا وخاصة بعد تحديثها خلال السنوات الماضية مُستغلةً الأحداث والحال الداخلية وانشغال الجيش السوري بمواجهتها.

وبعد هذه السنوات ظهر حراك حقيقي لدى المقاومة في الشمال وقطاع غزّة لمواجهة هذه الاستراتيجية بما يرفع من مستوى إمكانية الذهاب إلى حرب جديدة، وهنا نستذكر التهديد الذي نشرته كتائب القسّام قبل عدّة أسابيع لمواجهة استهداف مقدّراتها العسكرية في قطاع غزّة مع كل صاروخ يُطلَق من القطاع الذي قالت فيه :"صافِرات الإنذار التي تشتكون منها ستكون موسيقى ساحرة مقارنة بما ستسمعونه إذا لم توقفوا عنجهية الحكومة"، وهو ما دفع حكومة الاحتلال للرد بطريقة محدودة من دون المساس بمقدّرات الكتائب خشية تدهور الأمور والذهاب إلى حرب جديدة في ظل قابلية عالية لذلك بفعل الوضع الإنساني في القطاع.

ومؤخراً جاء الردّ من محور المقاومة في سوريا على هذه الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة ومواجهتها عسكرياً بإسقاط الطائرة الإسرائيلية المتطوّرة، الأمر الذي سيدفع قوات الاحتلال إلى التفكير مرات عدّة قبل مواصلة هذه الاستراتيجية على الأرض مجدّداً، وبما يرفع مستوى التهديد للذهاب إلى حرب جديدة وهو ما لا ترغب به دولة الاحتلال حالياً.

وفي ضوء التوجّه الجديد والردود من قطاع غزّة والشمال، وجد الاحتلال نفسه خلال العام 2018 أمام مُعضلة جديدة، وهي أن أي فعل ميداني في "المعارك بين الحروب" قد يدفع إلى الحال "الطارئة" والمُتمثّلة بالحرب بنسبة كبيرة، وهو ما لا ترغب به دولة الاحتلال حالياً سواء في قطاع غزّة لعدم اكتمال بناء الجدار الأرضي، وفي الشمال لعدم اكتمال استعدادات الجبهة الداخلية.

وهنا تحدّثت تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" مطلع العام الحالي، بأن "دولة الاحتلال ستكون مُطالبَة باختيار الأهداف التي ستعمل ضدّها بعناية خلال العام الحالي، من دون أن يؤدّي للذهاب إلى حرب جديدة".

إسقاط الطائرة مؤخراً نجاح حقيقي لمحور المقاومة في مواجهة الاستراتيجية الجديدة للجيش التي وضعها رئيس هيئة الأركان "غادي أيزنكوت" نهاية عام 2015، وهي تمثّل رفع تكلفة الاعتداءات وإثبات قدرة المقاومة على مواجهة الاستراتيجيات والخطط الهادفة إلى ضربها وتقويض قوّتها.

هذا الأمر بحاجة إلى مزيد من التعزيز لمواجهة استراتيجية العدو الإسرائيلي عبر رفع وتيرة التهديد والتصدّي الموجِع للاعتداءات، ورفع التكلفة لها.