معارك خط الحدود ونهاية "داعش"
تشهد مناطق الحدود السورية – العراقية استعدادات لوجستية مُكثّفة لحسم المعركة بمواجهة تنظيم داعش حيث يبدو مسرح العمليات جاهزاً لحسم معركة كسْر ظهر التنظيم وتفتيت هيكليته العسكرية كتشكيلات كبرى، لكن السؤال المطروح وبجدية: هل ستؤدّي عمليات الحدود إلى القضاء على داعش؟.
بالنظر إلى سيْر العمليات على الجبهتين السورية والعراقية فإن إنجازات كبيرة حقّقها الجيشان السوري والعراقي والقوات الرديفة لهما، لكن التنظيم لا يزال يسيطر على الجغرافيا الحيوية وأقصد بها مدن وبلدات حوض الفرات من راوَه حتى القائم في العراق ومن الميادين حتى البوكمال ومناطق هامة شرق نهر الخابور في سوريا، حيث تدور رحى المعركة حالياً إضافة إلى استمرار "داعش" في القتال ضمن بؤرٍ مُحاصرَة في دير الزور حيث تشهد المعارك شراسة في مواجهة الجيش السوري مقابل ما يشبه عمليات التسلّم والتسليم بين التنظيم الإرهابي وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الأميركيين، وهو الأمر الذي لم يعد بحاجة إلى التساؤل بعد تكرار المشهد نفسه في أكثر من مكان .
في الجبهة السورية تواصل وحدات الجيش السوري والحلفاء عمليات التقدّم في اتجاهات مختلفة :
1- الاتجاه الأول هو محاور مدينة ديرالزور حيث تبدو الصعوبة في تحقيق التقدّم بسبب التحصينات المنيعة وحقول الألغام والعبوات الناسفة التي تشكّل نمط الإعاقة الأساسي، ما يؤثّر على سرعة حركة القوات ويؤخّر تحرير المدينة رغم الخرق الذي أحدثته القوات المتقدّمة في حيّ الصناعة ورغم الوصول إلى خشام في الضفة الشرقية .
2- الاتجاه الثاني وهو تفعيل العمليات ما بعد مدينة الميادين نحو الشرق على اتجاه البوكمال لعدم تمكّن الجيش من تثبيت قواته على الضفة الشرقية بعد تنفيذ عبور شمال الميادين بهدف الوصول إلى حقول العمر التي انسحب منها "داعش"، وسيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وهو الأمر الذي يتكرّر منذ فكّ الحصار عن دير الزور حيث تترك قوات سوريا الديمقراطية مساحات سيطرة لداعش على الضفة الشرقية للفرات بمواجهة الجيش السوري، والهدف هو إعاقة حركة الجيش عبر عدم إتاحة الفرصة له من حسم المعارك وإلزامه بتثبيت القوى والوسائط، في حين تتقدّم قوات سوريا الديمقراطية بسرعة وحرية نحو مثلّث النفط، حيث يبدو واضحاً أن هذه القوات ستتمكّن من السيطرة على مناطق سيطرة داعش من الشدادي شمالاً حتى دير الزور والبوكمال جنوباً، ما يعني التحكّم بأكثرمن 40% من حقول النفط إضافة إلى ما تسيطرعليه سابقاً .
3- الاتجاه الثالث نحو المحطة الثانية التي سيطر عليها الجيش السوري وحلفاؤه، وهذا يعني أن الجيش بات بمقدوره تطوير عملياته من منطقة بعاجات شرق المحطة الثانية على خط الحدود نحو مدينة البوكمال، بالتوازي مع تفعيل اتجاه الهجوم الثاني من الميادين نحو البوكمال، وهذا التدبير سيضع وحدات داعش المنتشرة بين خط دير الزور – البوكمال شرقاً وصولاً حتى جنوب شرق السخنة غرباً داخل الطوق ، وهو بتقديري سيؤدّي إلى انسحاب داعش نحو خط القتال النهائي من الميادين حتى البوكمال غرب الفرات .
في الجبهة العراقية سيكون لانطلاق العمليات من اتجاهين أساسيين نتائج هامّة إذا ما سارت بالتوازي مع عمليات الجيش السوري، وهو أمر سيُعقّد الوضع الميداني على تنظيم داعش.
1- الاتجاه الأول من عكاشات ويستهدف الوصول إلى القائم وهو اتّجاه لن تواجه فيه وحدات الجيش العراقي معارك صعبة إلاّ بعد وصول القوات إلى مشارف القائم عند واحات فهيدة جنوب القائم على بُعد حوالى 25 كلم جنوب مدينة القائم، ورغم ذلك فإن القوات ستسير ببطء على اتجاه عكاشات – القائم بالتزامن مع اتجاه تقدّم موازٍ على طول خط التقدّم شرقاً ستكون مهمّته تطهير منطقة وادي حوران التي تمتد من شمال شرق الرطبة جنوباً حتى واحات وادي حوران جنوب غرب الحقلانية شمالاً، والسير بهذين الاتجاهين سيضمن للقوات المتقدّمة عمليات تطويق وإطباق بمواجهة داعش ومنعه من تنفيذ عمليات مناورة والتفاف لاستهداف خواصر القوات المتقدّمة، خصوصاً أن خطيّ التقدّم سيمتدان على مسافة حوالى 125 كلم وهي مسافة طويلة لا يمكن قطعها من دون إنجاز عمليات تطهير وتثبيت من خلال القضاء على بؤر داعش على امتداد المنطقة.
2- الاتجاه الثاني سينطلق من مفرق راوَة جنوب غرب عنّة للاندفاع غرب راوَة بالتزامن مع اندفاع آخر من عنّة نحو عنّة القديمة، والسير على غرب الفرات حوالى ال 85 كلم غرباً للوصول إلى القائم.
بالنظر إلى اتجاهات الهجوم في الجبهتين السورية والعراقية سيكون بمقدور تنظيم داعش مواصلة القتال شرق الفرات على الجبهتين السورية والعراقية، إلاّ إذا حرّكت القيادة العراقية قوات اقتحام من منطقة تل صفوك حيث وصلت وحدات الحشد الشعبي منذ فترة للاندفاع جنوباً نحو القائم، وهو الأمر الذي سيجعل داعش في حال صعبة شمال الفرات وسيؤدّي إلى نهاية عسكرية مُحتّمة.
إذا ما سارت الأمور على الشكل الذي استعرضناه فإن ذلك لن يمنع داعش من الانتقال إلى مرحلة تالية ستعتمد بشكل أساسي على العمليات الأمنية التي ستنقل الصراع من مرحلة محاربة الإرهاب، وهي مرحلة عسكرية بحتة إلى مرحلة مكافحة الإرهاب، وهي مرحلة أمنية ستتطلّب تغييراً في تقدير الموقف واعتماد آليات مواجهة مختلفة تماماً تحتاج إلى تقنيات وطاقات استخبارية تتناسب مع طبيعة المرحلة اللاحقة