إسرائيل ويوتيوب: ازدواجيّة المعايير...!!!
ما إن يدخل المتصفح يوتيوب الضخم، يستقبله كل تلك المُصطلحات والنصوص الطويلة، التي تُخبره بكل كبير وصغير عن حقوقه ومسؤولياته. تلك نصوص كثيرة وإن كانت قراءتها سترهق عيني المتصفح لكنها ستزرع في داخله شيئاً من الطمأنينة، لظنّه أنه بات يعرف كل ما يتوجّب عليك تجنّبه لنشر مقاطعه المُصوّرة الخاصة من دون أن يتم حذفها أو حظرها.
ما يزيد من الطمأنينة في عالم يوتيوب الرقمي الضخم، أن المتصح لا يتصادف مع أيّ من تلك العبارات العنصرية فلا ازدواجية للمعايير في قاموس تلك الشركة الضخمة التي تسجّل 4 مليارات مشاهدة لمقاطع الفيديو المرفوعة على منصّتها عبر الأنترنت يومياً.
لكن يوتيوب شركة التميّز والتطوّر، ابتكرت لنفسها حيلاً جديدة مكّنتها من تغيير كل تلك النصوص الطويلة التي كنت قد قرأها المتصفح عند إنشائه لقناة خاصة به على منصّتها، فيجد نفسه، ومن دون سابق إنذار غارقاً في مستنقع من السياسات العنصرية التي تفتقد وتخالف الكثير من المعايير والأسس التي وضعتها إدارة يوتيوب نفسها كشروط لتنظيم نشْر وتداول مقاطع الفيديو على منصّتها.
إذا، وبعد قراءة شروط الاستخدام، أصبح بإمكان المتصفح الاطمئنان، يوتيوب سيبقيه بأمان ليس لالتزامه معاييرها المكتوبة، إنما بمجرّد أنه لا يضرّ بمصالحها واتفاقاتها السياسية سيكون بأمان دائماً من الحظر، فلم يعد لحقوق النشر أو شروط الاستخدام أية ثوابت أمام المُتغيّرات التي تطبّقها الشركة لكل حساب على حدة، وفق انتمائه أو بلده أو حتى سياسته إن تعارضت مع اتفاقياتها وسياساتها الدولية.
أهنّئ المُستَخدِم الفلسطيني، فقد فُرض عليه قانون "مزاجية المعايير"، وما هو هذا القانون...؟. فتلك الشركة يا عزيزي وإن كانت لا تُبالي أو تأبه لوجود المستخدم على منصّتها لصغر حجم قناته، فما هو حجم ظهوره مقارنة بحسابات تجاوزت مئات الملايين من المتابعين، لكن وعلى الرغم من صغر حجمه، إلا أنه سبّب إرباكاً للشركة دفعها لفرض مزاجية المعايير عليك، وفي هذه المرحلة تصبح معايير يوتيوب كتلك النصوص الدينية التي لا يزال الجدال قائماً حولها إلى يومنا.
لا يتفاجأ المتصفح إن تم إغلاق أو حتى إقصاء قناته الخاصة من على منصّة الشركة، والسبب أنه نشر مقطعاً لأغنية وطنية ربما، أو قد يكون لطفل في الـ13 من عمره استشهد برصاص جنود "إسرائيليين" ظنّوا أنه سيطعنهم بسكين لم يكن يحملها أصلاً. نعم فأن المتصفح بذلك يخالف سياسات يوتيوب، لكن مهلاً، فمخالفته لم تسجّل بسبب نشْره لمشاهد قتْل أو مشاهد لا تملك حق نشرها، إنما لمجرّد نشْره مواد تدلّ على انتمائه لفلسطين وتأييده للقضية الفلسطينية.
هناك الكثير من القنوات الفلسطينية التي تم غلقها على منصّة يوتيوب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حساب فضائية فلسطين اليوم، حساب وكالة شهاب العام الماضي، ومؤخراً حساب وكالة قدس الإخبارية وغيرها الكثير.
يوتيوب ليست الأولى، فقد سبقتها فيسبوك التي أغلقت مئات الحسابات على منصّتها فقط لأنها حسابات لفلسطينيين، والآن يوتيوب تبعتها باعتبار أن ملكيّتهما تعود لنفس الشركة المُشغّلة، فما يُطبّق على فيسبوك لا بدّ من أن يسري على يوتيوب أيضاً، لكن الأخيرة عبّدت الطريق قليلاً فلم تكن بتلك الفظاظة التي استخدمتها فيسبوك من قبل، فقد جمّلت يوتيوب الطريقة بعد اتفاقات عدّة أبرمتها مع الحكومة "الإسرائيلية" تحت مُسمّى الحد من "الإرهاب والتحريض على أمن إسرائيل".
اتفاقات يوتيوب مع الحكومة "الإسرائيلية" أُفصِحَ عنها بتصريحات عدّة كان أولها تصريح لوزيرة العدل في حكومة الاحتلال "شاكيد" قبل عام بقولها "إن شبكتي "فيسبوك" و"يوتيوب" استجابتا لمعظم الطلبات التي تقدّمت بها إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة لشطْب مثل هذه المضامين التي تمسّ أمن البلاد"، وتبعه تصريح لوزير أمن الاحتلال "جلعاد إردان" أكّد فيه أنه جرى الاتفاق على إنشاء فِرَق تقوم باكتشاف أفضل السُبل لمواجهة وإزالة المحتوى الذي يحمل مضامين تحريضية ضد "إسرائيل".
لذلك سيجد المُستَخدِم أن حسابه قد أغلِق لأسباب تحريضية، هو لم يكن يدرك أنها كذلك، أو لأن أحد المقاطع التي قام بنشرها قبل سنوات، أصبح الآن تهديداً أمنياً بعد أن كان دافعاً وطنياً، ما استدعى الشركة إلى اتّخاذ قرار بإغلاق حسابه، بناء على المعايير الموضوعة نفسها، لكن، بعد أن كون قد مُحوِرَت وعُدّلِت لتتطابق مع ما يُسمّونه "أمن إسرائيل"، فهنيئاً له ضرب أمن تلك الغدّة السرطانية المُستشرية في الشرق الأوسط.