المُصالحة الفلسطينية - الملفات - التحديات والآفاق؟!
ما هي آفاق وتحدّيات المصالحة الفلسطينية وسط كل الخطوات التي تتخذها الجهات الداخلية مؤخراً؟
بعد أن استسلم الجميع إلى حد كبير -فلسطينياً وعربياً - إلى قناعة ترسّخت عبر جولات ومخاضات المُصالحة الفلسطينية على مدى السنوات الماضية، بأن مثل هذه المصالحة باتت بعيدة إذا لم تكن مستحيلة مستعصية، وبعد أن استراحت دولة الاحتلال الصهيوني إلى أن الانقسام والانشطار جناحا الوطن، باتا حقيقة صارخة لم ولن تتغيّر في المستقبل المنظور، وبعد أن خيّم الفيتو الأميركي على المُصالحة الفلسطينية منحازاً تماماً الى الرؤية التفكيكية الإسرائيلية للمشهد الفلسطيني، وبعد أن أخفقت الفصائل الفلسطينية في التوصُّل إلى صيغة أو نقطة الإقلاع في اتفاقياتها السابقة: في مكّة في 2007، وصنعاء في 2008، والقاهرة في 2011، والدوحة في 2012، والقاهرة مرة أخرى في 2012، وفي مخيم الشاطي للاجئين في 2014.
بعد كل ذلك، تأتي المُصالحة هذه المرة من قلب القاهرة أيضاً لتفاجىء الجميع.
تساؤلات على أجندة المصالحة
فما الجديد الذي طرأ يا تُرى على المشهد ليعلن في القاهرة عن اتفاق المُصالحة على نحو لم يثر في الشارع الفلسطيني على سبيل المثال أيّ تفاعل حقيقي، برغم أن الوحدة الوطنية الفلسطينية تشكّل مطلباً وطموحاً وطنياً فلسطينياً عاجلاً له الأولوية العليا....؟!، فمصداقية المُصالحة سقطت منذ سنوات....؟!.
ويتساءل الكثيرون وشوشة وعلانية: هل ستصدق النوايا هذه المرة وتمضي فتح وحماس إلى تطبيق جدّي لاتفاق المُصالحة....؟، وما الآفاق الحقيقية لها...؟!
فبإعلانها الذي جاء فيه: "استجابة للجهود المصرية الكريمة، بقيادة جهاز المخابرات العامة المصرية والتي جاءت تعبيراً عن الحرص المصري على تحقيق المُصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وحرصاً على تحقيق أمل شعبنا الفلسطيني، بتحقيق الوحدة الوطنية، فإنّ حركة حماس تُعلن: أولاً، حلّ اللجنة الإدارية في قطاع غزّة. ثانياً، دعوة حكومة الوفاق للقدوم إلى قطاع غزّة، لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فوراً. ثالثاً، الموافقة على إجراء الانتخابات العامة. وجاء في البند الرابع والأخير من البيان: استعداد الحركة لتلبية الدعوة المصرية للحوار مع حركة فتح، حول آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاته، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار حوار تشارك فيه الفصائل الفلسطينية الموقّعة على اتفاق 2011 كافة"، بإعلانها هذا، هل تكون حركة حماس قد انتقلت فعلاً من مرحلة ونزعة الهيمنة المُطلقة على غزّة، المستندة الى إقصاء الآخر تماماً، الى مرحلة الانفتاح والتخلّي عن اللجنة-الحكومة –الإدارية بكافة صلاحياتها لتنتقل إلى حكومة الوحدة فعلاً...؟. وهل تكون هذه الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل فلسطيني يا ترى....؟!.
تحديات من الوزن الثقيل
وماذا عن الملفات –المعوقات التي تحوّلت إلى تحديات من الوزن الثقيل، والتي تراكمت على مدى السنوات الماضية...؟، وفي مقدمها الاستعداد الحقيقي لدى الأطراف لتقديم تنازلات من أجل تحقيق المُصالحة، ومن أهمها إرادة الشراكة السياسية بين الطرفين، وملف موظفي حكومة حماس بغزّة، وملف الهيئات والمؤسسات الإدارية الحمساوية التي تشكّلت وتكرّست خلال عشر سنوات من الانقسام ، وكذلك ملف منظمة التحرير، وسيناريو إعادة صوغ مؤسساتها وتمثيل حماس فيها، وكذلك الملف الأهم والأخطر المتعلّق بالقوة العسكرية والأجهزة الاستخبارية التابعة لحماس، التي تسيطر سيطرة مطلقة على الفصائل والحياة والتحرّكات في القطاع.
ولكن، وقبل كل ذلك، وفي الحسابات الفلسطينية، فإن "إسرائيل" تمثل تحدياً رئيسياً وعقبة كبيرة في وجه المُصالحة الفلسطينية، وفي وجه الوحدة الفلسطينية، فالانقسام واستمرار الانقسام يشكّل مصلحة استراتيجية إسرائيلية، بل إن خلاصة الإجماع الأمني والسياسي والأيديولوجي الإسرائيلي هو: إن تفكيك النص الوحدوي، وتمزيق الجسم الفلسطيني أفضل لإسرائيل، ويخدم المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية في الصراع مع الفلسطينيين، فالأدبيات السياسية الإسرائيلية المناهضة لأية مصالحة ووحدة فلسطينية أو عربية كثيرة لا حصْر لها ، وقد كتبت المُحلّلة الإسرائيلية عميرة هاس عن مخطّط التفكيك للفلسطينيين في هآرتس تحت عنوان:"ليس بالإسمنت وحده" تقول:"إن هدف إسرائيل هو: إتمام مسار فصل قطاع غزّة عن الضفة الغربية، بدأ المسار – ونقول هذا للمرة المليون – في 1991، لا بعد تولّي حماس السلطة، وكل ذلك بهدف إحباط حل الدولتين، الذي أدرك العالم آنذاك أنه يقوم على غزّة والضفة كاملتين والعلاقة بينهما.. "، بينما كشف الدكتور مصطفى البرغوثى الهدف الإسرائيلي الخفيّ وراء محاربة المُصالحة الفلسطينية قائلاً:"هناك خطورة كبيرة لأن إسرائيل تريد عبر فصل الضفة الغربية عن قطاع غزّة تدمير أية فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة".
فلماذا تصمت إسرائيل إذن عن المُصالحة بين فتح وحماس هذه المرة...؟
في هذه المسألة، تساءل الكاتب الإسرائيلي يوني بن مناحيم في مقال له نُشر على موقع نيوز ون الإخباري عن "الصمت الإسرائيلي، معتبراً" أنه سلوك غريب عن إسرائيل"، موضحاً "أن هذا الصمت الإسرائيلي يتزامن مع ما يجري الحديث عنه من رفع الفيتو الأميركي عن المُصالحة، وإعطاء الرئيس دونالد ترامب الضوء الأخضر لمصر والسلطة الفلسطينية لاستكمال هذه المُصالحة بغرض الخروج بموقف فلسطيني موحّد للذهاب لمفاوضات سياسية مع إسرائيل". مستخلصاً:"إن إسرائيل ربما تحاول هذه المرة التزام الحذر وعدم التعقيب، انطلاقاً من تقديرها بأن اتفاق المُصالحة لن يخرج إلى النور ولن تتمكّن الحركتان من ترجمة تصريحاتهما إلى سلوك عملي على الأرض".
ولذلك نقول في خاتمة هذه الإطلالة السريعة على الأسئلة والتساؤلات والتحديات المتراكمة على أجندة المُصالحة الوطنية الفلسطينية، وكذلك في مواجهة المراهنة الإسرائيلية على الفشل: يحتاج الشعب العربي الفلسطيني، في مقدمة ما يحتاجه في هذه المرحلة العصيبة من الصراع الوجودي مع المشروع الصهيوني، إلى أن يرى أفقاً حقيقياً للمُصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية، التي هي الممر الإجباري نحو التحرّر والتحرير والاستقلال.