السعودية و"إسرائيل" الى "كردستان كبرى": النفط والحشد أولى الأهداف

في عام 2003، وبعد العدوان الأميركي على العراق، قال وزير المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي حينها، بنيامين نتنياهو، لمجموعة من المُستثمرين الصهاينة، إنه "لن يطول الوقت حتى تروا النفط العراقي يتدفّق إلى حيفا..

استفتاء برزاني وأنابيب النفط

لا تريد "إسرائيل" إقليم كردستان تابعاً للعراق، وفي الوقت ذاته، لا تريده مُستقلاً من دون كركوك

مسألة وقت حتى يُعاد تدفّق النفط العراقي إلى البحر المتوسّط". كلام نتنياهو هذا تبعه تصريحٌ لوزير البنى التحتية، يوسف باريتسكي، في العام 2014، تزامناً مع سيطرة تنظيم "داعش" على مساحات واسعة من الأراضي العراقية،  بأنه تم الإيعاز لشركة النفط "تاشات" التي يملكها كيان الاحتلال، لإجراء تقييم للتكاليف التي سيتطلّبها إصلاح خط أنابيب الموصل-حيفا والذي كان مُستعملاً قبل عام 1948، لفحص أوضاع خط النفط الممتدة من كركوك إلى حيفا، وذلك بناءً على برقية أميركية وصلت إلى مكتب رئاسة وزراء الكيان، تضمّنت طلباً أميركياً لإجراء التقييم. 

 

أمام تلك المُعطيات والمؤشّرات، فإن الأسباب الكامِنة خلْف التطوّرات الأخيرة فيما يخصّ محافظة كركوك بشكلٍ خاص، واستفتاء إقليم كردستان بشكلٍ عام، أصبحت مفهومة الدوافع، بدءاً من رفضِ مجلس محافظة كركوك في 4 آب الماضي التفاهم المُبرَم بين الحكومة المركزية في بغداد وطهران على تصدير نفط المحافظة إلى الأسواق العالمية عبر إيران، والذي تم توقيعه في شباط 2017، وصولاً إلى تصويت مجلس محافظة كركوك، في آب الماضي، بغياب المكوّنين التركماني والعربي، لصالح مشاركة المحافظة في الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، المُزمَع إجراؤه في 25 أيلول/سبتمبر الحالي. قرار مجلس محافظة كركوك بالانضمام للإستفتاء، جاء بعد أشهرٍ من قرار مجلس النواب العراقي، والذي قضى برفْع العَلَم العراقي فقط في محافظة كركوك، وإنزال عَلَم إقليم كردستان، وعدم التصرّف بنفط المحافظة، باعتبار أن نفط كركوك من ثروات الشعب العراقي ويوزّع على جميع المحافظات.

 

القراران اللذان اتّخذهما مجلس محافظة كركوك، سبقهما دعمٌ "إسرائيلي" علني لاستقلال الإقليم عن العراق، إذ أعرب رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أمام الكونغرس الأميركي، في تموز الماضي، عن تأييده لإقامة "دولة كردية مستقلّة" في أجزاءٍ من العراق، مُشيراً الى أنه من "الضروري أن يكون للكرد في العراق دولة مستقلّة، فهم شعب شجاع وبطل، كما أنهم أصدقاء للغرب وللقِيَم الغربية، وأصدقاء لنا"، وفق تعبيره، ليعود الثلاثاء ويؤكّد على حسابه في "تويتر"، أن "إسرائيل" تدعم ما وصفه بـ"الجهود المشروعة التي يبذلها الشعب الكردي من أجل الحصول على دولة خاصة به.

 

إذاً، لا تريد "إسرائيل" إقليم كردستان تابعاً للعراق، وفي الوقت ذاته، لا تريده مُستقلاً من دون كركوك، والجدير ذكره أن محافظة كركوك الغنيّة بالنفط، خارج الحدود الإدراية للإقليم، حيث أن قوات "البيشمركة" الكردية سيطرت على معظم أراضيها بذريعة مُحاربة تنظيم "داعش"، بعد هجوم التنظيم عليها عام 2014، حيث استولت على معظم حقول نفط المحافظة، بالتزامن مع ما كشفته منظّمة "العفو الدولية" عن قيام قوات "البيشمركة" بتهجير العائلات العربية قسْراً من مدينة كركوك، وهو ما عزّزته منظّمة "هيومن رايتس ووتش"، التي اتّهمت القوات الكردية في العراق بهدْم مساكن وقرى عربية في محافظتي كركوك ونينوى العراقيتين، واصفة هذا التصرّف بـ"جريمة حرب".

التقاء سعودي-اسرائيلي في بلورة كردستان الكبرى

إلى جانب المطامع النفطية، تسعى "إسرائيل" من خلال دعمها اللامحدود لاستقلال الإقليم وضمّ كركوك إليه، إلى إيجادِ شرْخٍ قومي وعِرقي بين مكوّنات الشعب العراقي، لاستغلاله ضمن أجندتها الرامية إلى تفتيت مصادر القوة العراقية ومن بينها "الحشد الشعبي"، الذي أضحى أيضاً قوة إقليمية تهدّد الكيان الصهيوني، لا سيما وأن قيادة "الحشد" حذّرت مُسبقاً من إجراء الاستفتاء في المناطق المُتنازَع عليها كافة مع حكومة بغداد، بما في ذلك كركوك وسنجار، وطلبت من الحكومة العراقية فرْض سيطرتها على تلك المناطق، رافضةً أيّ استفتاء لتقسيم البلاد، كما دعا القيادي في "الحشد"، كريم النوري، القيادات الكردية إلى "عدم اختبار صبر الحشد الشعبي" في هذا الشأن. في عراق ما بعد "داعش" تقاطعت مصالحُ طرفين، هما السعودية و"إسرائيل"، كما هو حال نظرتهم المشتركة في المنطقة ككل. يتشارك الطرفان مع بعضهما في دعم استفتاء الإقليم، وضمّ المناطق المُتنازَع عليها، بحيث تتماهى مشاركة كركوك في "استفتاء كردستان" مع المشروع السعودي-الإسرائيلي المشترك في ثلاثة أهداف: السيطرة على منابع النفط العراقية، ووضع "الحشد الشعبي" في مواجهةٍ عسكرية مع "البيشمركة"، بالإضافة إلى إنشاء قواعد عسكرية على مقربة من العدو المشترك، إيران.

 

ملامح الدعم السعودي لانفصال الإقليم تبدو واضحة من خلال مسار السياسات السعودية في العراق، إلى جانبِ مؤشّراتٍ سياسية وإعلامية وعسكرية، تُشير إلى محاولاتٍ سعودية لاستغلال الطموحات الكردية، بعد فشل ورقة "داعش". المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات السعودية، أنور عشقي، والذي تُمرّر عبره الرياض ما لا تريد إعلانه رسمياً، لا سيما فيما يخصّ علاقاته العلنية مع كيان الاحتلال، كان قال خلال ندوةٍ تحت عنوان "تحدّيات إقليمية وفرص: رؤى من المملكة السعودية وإسرائيل"، استقبلتها الخارجية الأميركية عام 2015، وجمعته مع المدير العام لوزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي، دور جولد، قال إنه "يجب أن نعمل على إيجاد كردستان الكبرى لأن من شأن ذلك أن يُخفّف من المطامع التركية والإيرانية والعراقية، حسب تعبيره، مشيراً إلى أن دولة كردستان الكبرى ستقتطع كلاً من ثلث إيران وثلث تركيا وثلث العراق". من جهته، أشار مستشار الديوان الملكي السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، بعد عودته من "كردستان العراق"، ولقائه مسؤولي الإقليم، في آذار الماضي، إلى أن الأخيرة يمكنها التواجد كبلدٍ قوي ومؤثّر في المنطقة، هذا ونشرت صحيفة "الوطن" السعودية الرسيمة، في عددها الصادر في تاريخ 15 تموز الماضي، خارطةً لإقليم كردستان، ملحقةً بها سنجار وديالي وكركوك، والكثير من المناطق المُتنازَع عليها، واللافت أن تاريخ النشر جاء قبل تصويت مجلس محافظة كركوك على الانضمام للاستفتاء.

 

الآن، مع رفْض البرلمان العراقي للاستفتاء من أصله، بغضّ النظر عن نتيجته، وتفويضه لرئيس الحكومة، حيدر العبادي، اتّخاذ كافة التدابير التي تحفظ وحدة العراق، فإن الخيار العسكري غير مُستبعدٍ في حال بقيت الأمور على حالها، من تعّنتٍ لرئيس الإقليم مسعود البرزاني، وهو ما يبدو قائماً حتى هذه اللحظة. النائب الكردي، ماجد شنكالي، قال إن الأكراد سيرفضون القرار، مُعتبراً أن هذا القرار ليس له قيمة ولن تقوم حكومة الإقليم بتطبيقه. قرار البرلمان العراقي أعقبته زيارة للبرزاني إلى مدينة كركوك المُتنازَع عليها مع بغداد، في رسالةٍ موجّهةٍ إلى الحكومة العراقية تؤكّد على استمراره بقرار الاستفتاء وضمّ كركوك للإقليم، مُتحدّياً بذلك قرار البرلمان العراقي.

 

تصريحات النواب الأكراد وزيارة بارزاني جاءت بالتوازي مع تحرّكٍ عسكري كردي واسع في مناطق وسط وشمال وشرق محافظة كركوك، بوجه تقدّم القوات العراقية المدعومةً من "الحشد الشعبي"، الساعية إلى تحرير قضاء الحويجة، الواقع جنوب غرب مدينة كركوك، والذي ما زال تحت سيطرة تنظيم "داعش". رافق ذلك انتشار عسكري لقوات أميركية قرب محافظة إربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. في مشهدٍ شامل، يُشير الى توتّرٍ استغلّته واشنطن لتوسيع رقعة تواجدها العسكري، ومن الممكن أن تتصاعد حدّته في أية لحظة، ليتحوّل إلى صِدام مع عدم وجود مؤشّراتٍ عن أيّ تراجعٍ كردي.

 

إصرار رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، على إجراء الاستفتاء، رغم المعارضة الداخلية والخارجية الواسعة له، بالأخص الدول المجاور، سوريا إيران وتركيا، يطرح علاماتِ استفهامٍ حول حجم الدعم الذي يتلقّاه خلف الكواليس، لدفعه إلى صِدامٍ مع بغداد، يفرض واقعاً سلبياً على العراق بعد تخلّصه من "داعش".