المُناورات الاسرائيلية وهواجِس الهزيمة والوجود؟!
جاءت نتائج حرب تموز/يوليو 2006 وبالاعترافات الإسرائيلية الغزيرة، لتقلب كل الحسابات والتقديرات العسكرية رأساً على عقب...ولتتهاوى المفاهيم والنظريات الحربية بقوة مُذهلة....وليتحوّل المشهد الإسرائيلي من حال النشوة والثقة المُطلقة بالنفس والاعتقاد الراسِخ بالانتصار السريع الساحِق على حزب الله ..إلى حال اليأس والإحباط والإحساس بالهزيمة الماحِقة لأول مرة في تاريخ تلك الدولة، ولكن لتبقى حروب"الحساب المفتوح" بين"إسرائيل" ولبنان المقاومة والدولة قائمة ومفتوحة!.
في الإجماع السياسي العسكري-الاستخباري الإعلامي الإسرائيلي، فإن هذه المناورة العسكرية التي أطلق عليها"نور دغان-نسبة إلى الجنرال مئير دغان-رئيس الموساد الأسبق "، والتي انطلقت تدريباتها –الإثنين-2017-9-11- على الأرض الفلسطينية الشمالية المحتلة، المُتاخِمة للحدود اللبنانية، وتستمر عشرة أيام- هي الأضخم والأكبر على الإطلاق، التي يجريها الجيش الإسرائيلي، ليس منذ عشرين عاماً فقط، وإنما منذ نشأة ذلك الكيان، وبالإجماع الإسرائيلي، فإن هذه المناورة الأضخم تأتي تتويجاً لسلسلة طويلة من المُناورات العسكرية المُتّصلة، على خلفيّة العِبَر والدروس التي استخلصها طاقم تشكّل من- 29 –تسعة وعشرين جنرالاً، لدراسة أسباب وعوامل الهزيمة امام حزب الله ، خلال عدوان/2006.
وهذا ليس كلاماً في الإعلام أو للاستهلاك العام.
المُناورات وخريطة الحروب المُتدحرِجة
فالواضح الموثّق، أنهم في ضوء كل ذلك، يربطون هناك في الكيان، ما بين هذه المُناورات و التدريبات العسكرية المتواصلة المُتتابعة بحساباتهم الاستراتيجية المُتعلّقة بخريطة الحروب والمواجهات المُتدحرِجة على الجبهة اللبنانية منذ نشأة تلك الدولة، وهذا ليس تنجيماً أوضرباً في الرمل، فالملف اللبناني- الإسرائيلي من وجهة نظر المؤسّسة العسكرية الأمنية السياسية الإسرائيلية لم ولن يُغلق أبداً، فالذي حدث ل"إسرائيل العُظمى" ول"الجيش الذي لا يُقهر" في أيار/2000 ، وكذلك في تموز/2006، كاد يتسبّب بانهيار شامل لذلك المجتمع الصهيوني.
ففي تلك الحرب العدوانية لم تأتِ حسابات الحقل على قدْر حسابات البيدر في الاستراتيجية الحربية الإسرائيلية، فانقلبت الأمور والاستراتيجيات والأهداف، فكان أن واجهت "إسرائيل العُظمى " أعظم إذلال عسكري في تاريخها. فهاهو ديسكين-رئيس الشاباك سابقاً- يعترف: "أجهزة السلطة انهارت بشكل مُطلَق أثناء الحرب.." ، وشبه الإجماع العسكري والسياسي الإسرائيلي كان على: "أن الصفعة التي تلقّيناها من حزب الله أضاعت قوة ردعنا"، و"إن هذه الأزمة لم تشهدها إسرائيل منذ 1948 "، و"إن الحرب أعادت اسرائيل جيلاً كاملاً للوراء.."، واختتمها المؤرّخ توم سيغف مُستخلصاً: " الحرب على لبنان تحتاج إلى لجنة تحقيق تتألّف من كبار المؤرّخين".
كما جاءت نتائج حرب تموز/2006 وبالاعترافات الإسرائيلية الغزيرة، لتقلب كل الحسابات والتقديرات العسكرية رأساً على عقب...ولتتهاوى المفاهيم والنظريات الحربية بقوة مُذهلة....وليتحوّل المشهد الإسرائيلي من حال النشوة والثقة المُطلقة بالنفس والاعتقاد الراسِخ بالانتصار السريع الساحِق على حزب الله ..إلى حال اليأس والإحباط والإحساس بالهزيمة الماحِقة لأول مرة في تاريخ تلك الدولة، ولكن لتبقى حروب"الحساب المفتوح" بين"إسرائيل" ولبنان المقاومة والدولة قائمة ومفتوحة...!.
المُناورات واستنهاض الحال المعنوية الإسرائيلية
وما بين ذلك المشهد المُشار إليه، والمشهد الراهِن في سوريا ولبنان والاقليم، والذي يُحقّق فيه محور المقاومة انتصارات وإنجازات ميدانية استراتيجية في الميدان السوري، أخذت تقلب كل الحسابات والموازين رأساً على عقب، وتحطّم كل المشاريع التدميرية التفتيتية التي أرادت النّيْل من سوريا الدولة والوطن والجيش والشعب، ومنها على نحو خاص المشروع الصهيوني الذي راهن على تحطيم سوريا وإسقاط النظام، فقد بات واضحاً تماماً، أن كل هذه التدريبات البرية والجوية والبحرية التي أجرتها وتواصلها دولة الاحتلال، وفي مقدمها تدريبات المؤخّرة أو العُمق التي أطلق عليها:"نقطة تحوّل.." على تماس مباشر بتلك الهزيمة الحارقة من جهة، وعلى تماس مباشر بالحساب المفتوح من جهته ثانية، ولكنها تؤشّر من جهة ثالثة إلى حال الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي اهتزّت بعُنف زلزالي في مواجهة تموز/2006، بينما هي تشير من جهة رابعة إلى محاولة المؤسّسة العسكرية-السياسية الإسرائيلية استنهاض الحال المعنوية الردّعية للجيش والمجتمع لديهم التي أصيبت في الصميم، في حين أنها يمكن اعتبارها من جهة خامسة، مُناورات استعدادية لحرب ثالثة تُرجّح مختلف المصادر الإسرائيلية المختلفة أنها قادمة لا محالة، والمسألة بالنسبة لهم مسألة وقت وتوقيت....؟!.
ولذلك، يمكن التأكيد على أن كل هذه المُناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية تتواصل وتتكامل بمُنتهى الجديّة منذ الهزيمة عام/2006، ف"نقطة تحوّل" بدأت بالرقم-1- ثم تسلسلت لتصل إلى الرقم-5-...فقد بدأت الأحد 2011-6-19 أضخم عملية مُناورات وتدريبات عسكرية حربية صهيونية تحت إسم:"نقطة تحوّل-5".
هذا ما أطلقوه عليها، للإشارة والإيحاء بأن ما حصل في حرب ال/2006 لن يتكرّر ، وتُشكّل هذه التدريبات بالنسبة إليهم نقطة تحوّل في الاستعدادات للحرب الثالثة.
المُناورات والحرب الثالثة المُحتمَلة
إلى ذلك، فهم على مستوى المؤسّسة العسكرية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية، وكذلك على مستوى الرأي العام الإسرائيلي، يربطون ربطاً جدلياً ما بين هذه المُناورات والتدريبات "المُتحوّلة..المُتسلسلة مروراً بمُناورات"نبضة من القلب" التي أجريت في شباط/2012، وصولاً إلى هذه المُناورات الأضخم والأهم بكل المعايير العسكرية الإسرائيلية حتى الآن ..." وما بين الحرب الثالثة المُحتمَلة التي أطلق عليها بعضهم"الحرب الزلزالية"، بينما أطلق عليها البعض الآخر"الحرب المُرعِبة-نظراً لدخول التهديدات التدميرية و الإبادية الشاملة فيها-باتت تُهيمن على الخطط والقناعات والمناخات والسيكولوجيا الإسرائيلية..!.
فالإسرائيلي عموماً، من الرئيس، إلى رئيس الوزراء، إلى الوزراء، إلى كِبار الجنرالات والضبّاط، إلى الجنود في كل مكان، إلى رجال الدين-الحاخامات، إلى رجال الإعلام والأكاديميا، إلى عصابات المستوطنين في أنحاء الضفة، كلهم بالإجماع أصبحوا ينتظرون اندلاع الحرب، ويخشون نتائجها..!.
بل يبدو أن المشهد الإسرائيلي بات مُثقلاً بهواجس"نقاط التحوّل... و"النبضات..." و"نور دغان" المُقترنة بسيكولوجيا الرعب والقلق، وهواجس الوجود، من احتمالية أن ينجح حزب الله في الاجتياح والتحرير في الشمال الفلسطيني المُحتل، ومن المستقبل الغامِض، ومن احتمالات الانهيار الشامل..!