قطيعة بين الرياض وطهران.. من المستفيد؟

بداية عامٍ جديد أرادتها شعوب المنطقة بدايةً لأمل جديد بإطفاء الحروب المشتعلة التي ابتلعت مئات الآلاف من أبنائها، وإذ بها بداية لأفق جديد من الصراع، وكوة إلى جهنم ما لم يتنبه الجميع لخطورتها. من المستفيد من قطع العلاقات السعودية-الإيرانية؟

من المستفيد من قطع العلاقات السعودية الإيرانية؟
انتظرت شعوب المنطقة تطورات إيجابية تنهي الحروب المفتوحة التي قبضت أرواح أبنائها على مدى السنوات الخمس الماضية. ولكن الذي حدث أن المنطقة فتحت على فصل جديدٍ من التصعيد، فيه من المخاطر أسوأها.

وبعد أن شهد الشرق الأوسط كل تجارب التفتيت والقسمة، وآخرها محاولة إشعال الصراع المذهبي بين المسلمين، كان مأمولاً أن تساهم كل من السعودية وإيران في إفشال هذه المحاولة، لأن القسمة على هذا الأساس يفترض بها أن تهدد مصالح الدولتين على السواء. ولكن الأمور تدهورت سريعاً عقب إعدام السعودية الشيخ نمر النمر، وردود الفعل التي توالت من إحراق سفارة السعودية في إيران، وصولاً إلى قطع الرياض لعلاقاتها الدبلوماسية مع طهران. فإلى أين تتجه المنطقة؟ ومن المستفيد من هذه التطورات؟ لاسيما عندما يعطى الخلاف بعداً مذهبياً، حتى في التصريحات الغربية المستنكرة لخطوة الإعدام.

المسار السابق لتدهور العلاقات

من المفيد هنا استرجاع السياق السابق للخطوة السعودية الساخنة. قبل إعدامها الشيخ النمر، جهدت السعودية ومعها تركيا للضغط على القوى الغربية بغية التمسك بضرورة ترك الرئيس السوري بشار الأسد للسلطة، كمدخل لحل سياسي في سوريا. لم يوفر وزير الخارجية عادل الجبير مناسبةً إلا وذكّر فيها بموقف المملكة هذا، حتى بعد تراجع الفرنسيين والأميركيين عن هذا المطلب في الوقت الراهن.

لكن القوى الكبرى، وخصوصاً الغربية منها، لم يعرف عنها عنايتها الزائدة بمواقف الحلفاء الأقل شأناً عند اضطرارها لإتخاذ قرار ما. فكان أن اتفقت هذه القوى على القرار 2254 بخصوص محاربة الإرهاب وإطلاق الحل السياسي في سوريا، في ظل وجود الأسد في السلطة. الأمر الذي يعتبر بأقل تقدير تجاهلاً للموقف الحاد الذي تتخذه السعودية وتركيا.

هذه الأخيرة كانت قد سبقت السعودية بالجنوح إلى خيارٍ صفري حين أسقطت المقاتلة الروسية قبل أسابيع. وحين بدا أن الرد الروسي المستمر سيؤدي إلى توترٍ كبير مع الناتو، تُركت تركيا بمفردها لتواجه غضب موسكو. ولكنها سرعان ما استسلمت لـ"حاجتها إلى إسرائيل"، وهذه العبارة الأخيرة لرئيسها رجب طيب أردوغان، الذي أعاد وصل ما انقطع مع تل أبيب بصرف النظر عن الشروط التي كان قد وضعها سابقاً. هذه الخطوة ربطها مراقبون بالقرار الدولي السالف الذكر لمحاربة الإرهاب. فأنقرة متهمة من قبل خصومها بدعم "داعش" وتمرير نفطه، وتل أبيب تعالج جرحى "جبهة النصرة" من دون جهد لإخفاء ذلك.

بالمقابل، كانت روسيا والتحالف الغربي يتنافسان بضرباتهما الجوية ضد "داعش" في سوريا والعراق. تقدم الجيش العراقي وحصر مساحة سيطرة داعش بـ17% من البلاد، قبل أن يحرر الرمادي أيضاً. وفي سوريا تقدم الجيش السوري في أكثر من محور، وعلى عدة مسارات. ففي المسار العسكري استعاد مناطق جديدة بأرياف حلب واللاذقية شمالاً ودرعا جنوباً. وفي مسار الاتفاقات الميدانية تمكن من الوصول إلى خاتمة سعيدة لاتفاق الزبداني-كفريا والفوعة. وفي المسار الأمني اغتال زعيم "جيش الإسلام" زهران علوش، وهو التهديد الأكبر الذي كان متبقياً لأمن العاصمة دمشق.

بعدها تناست أنقرة والرياض خلافاتهما السابقة، وأنشأتا مجلساً للتعاون الاستراتيجي بينهما. وبذلك أعادت تركيا تجميع حلفاء الغرب الشرق أوسطيين حولها. فهل في ذلك توكيل غربي؟ أم أن القوى الإقليمية تحاول جر حلفائها الكبار إلى خياراتها؟

أردوغان والملك سلمان

إعدام النمر وارتداداته

الشيخ النمر
في الصورة، حاولت السعودية تقديم إخراج لإعدام الشيخ النمر يضعه في خانة الإرهابيين الآخرين من القاعدة وغيرها، فوضعته ضمن قائمة من 47 محكومٍ بالإعدام، وأعطته الرقم 46. ثم أطلقت حملةً إعلاميةً مواكبة للإعلان عن تنفيذ الحكم. فقامت وسائل إعلام محسوبة عليها بإنتاج تقارير تقارنه بأحد قادة تنظيم القاعدة من ضمن لائحة الـ47.

غير أن التعليقات الغربية من مسؤولي الدول الحليفة للمملكة كانت تتحدث عن البعد المذهبي للإعدام. فقد صرح مسؤول أميركي لمجلة "فورين بوليسي" بأن التوتر الناجم عن هذه الإعدامات لا يفيد لجهة محاولته تحريك بعض التوترات المذهبية السابقة في ما يتعلق بسوريا". من جهتها قالت مسؤولة السياسة والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني انها ناقشت حكم إعدام النمر مع الجبي، وأعربت عن معارضة الاتحاد حكم الاعدام في جميع الظروف، وقلقهم "من خطر تصعيد العنف الطائفي في العالم الإسلامي". ألمانيا أيضاً قالت إن "الاعدامات السعودية تزيد التوتر الطائفي في المنطقة". فيما باريس وواشنطن دعتا إلى تخفيف التوتر بين السعودية وإيران. وطرحت موسكو فكرة استعدادها للمساعدة في تسوية الخلافات بينهما، مؤكدةً أنها مع مواصلة المباحثات بصيغة فيينا حول سوريا بمشاركة الدولتين.

الرد الإيراني المباشر على إعدام النمر كان حاداً أيضاً، فقد أحرق محتجون مبنى السفارة السعودية في طهران، وهو ما تتحمل مسؤوليته الدولة المضيفة (إيران) بحسب اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية لعام 1961 التي تنص على وجوب تأمين الدولة لكل مقرات البعثات الديبلوماسية المعتمدة على أراضيها.

ومع أن طهران ألقت القبض على العشرات من مواطنيها الذين قالت إنهم شاركوا بالهجوم على السفارة، ولكن ذلك لم يمنع الرياض من قطع علاقاتها الديبلوماسية والتجارية بها. وتبعتها سريعاً الخرطوم والمنامة، فيما خفضت الإمارات من درجة التمثيل الديبلوماسي واستدعت الكويت سفيرها في طهران.

إذن، هي صورة جديدة من المقاطعة لإيران. تتولاها هذه المرة دول إقليمية بعد أن تولتها لسنوات دول الغرب. ما يطرح تساؤلاتٍ جدية حول ما إذا كان الهدف منها تغيير السياسة الخارجية لإيران المصرّة على فصلها عن الاتفاق النووي مع الدول الست، وإلا فإن القوى الكبرى لن تستطيع تحمل خلاف سعودي-إيراني بهذا الحجم، في وقت تسعى إلى حلحلة الملفات العالقة بينها، حيث بدا هذا السعي جدياً عند اتفاق الجميع على القرار 2254، بالرغم من التباينات الواضحة حول نقاط أساسية بالحل السياسي في سوريا.

وبكل الأحوال، فإن الدول التي هي خارج المنطقة جميعها غير متضررة من وصول الخلاف السعودي-الإيراني إلى هذا الحد. بل إن الضرر محصور بدول المنطقة وشعوبها. خصوصاً إذا ما استطاع المستفيدون تزخيم البعد المذهبي المدمر.

من المستفيد من قطع العلاقات السعودية-الإيرانية؟

ما من شكٍ بأن الوصول إلى علاقات صحيحة بين السعودية وإيران سيكون له، لو تم، مفعول السحر على أزمات المنطقة. الدولتان لديهما نفوذ ومصالح في دول الأزمات. ولكن يلاحظ خلال السنوات الماضية صعوبة كبيرة في تنقية العلاقات من شوائبها بالرغم من محاولات عديدة قام بها الطرفان، خصوصاً بعد وصول الرئيس حسن روحاني ووزير خارجية ظريف إلى الحكم.

خلال هذه الفترة تمكنت إيران من التوصل إلى تفاهمات مع دول الغرب الذين استمر خلافها معهم سنوات طويلة. ومع تركيا أيضاً استطاعت إبقاء المصالح المشتركة فوق خلافات الرؤى تجاه الأزمات المشتعلة. وحدها العلاقة مع السعودية لم تجد لها طهران حلاً. فكانت محاولات التقارب تبوء بالفشل مرةً بعد أخرى.

ولكن السعودية بعكس ما يتبادر إلى الذهن، غير مستفيدة من تصعيد التوتر مع إيران على المدى الطويل. ذلك أن مزيداً من التدهور في هذا السياق، سيقود إلى مزيد من التطرف، ما يدفع إلى الواجهة التيارات المتطرفة، وهو الأمر الذي تنتظره القاعدة وداعش ومثيلاتهما.

وإذا كانت شعوب اليمن والعراق وسوريا وفلسطين، إضافة إلى الشعبين السعودي والإيراني، هم أكبر المستفيدين من علاقات إيجابية بين الدولتين. فإن الأكثر استفادة من سوء العلاقات والقطيعة هما داعش وإسرائيل. كلاهما يعيش على انقسام أبناء المنطقة. وكلاهما يحاول مذهبة الصراع فيها.

داعش وإسرائيل أكبر المستفيدين