الاجتياح ... تاريخ من تاريخ

تستعيد قناة الميادين ذكرى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 في لحظة فاصلة من تاريخ المنطقة، والصراع العربي – الإسرائيلي، ومن خلال شاشاتها، في عملٍ ملتزم رصين تلقي الضوء من خلاله على مرحلة مهمة وتاريخية من حياة العالم العربي.

تعيدنا شاشة الميادين إلى ذاكرة بيروت عبر استحضار الاجتياح الإسرائيلي في نسخة واضحة
تستعيد قناة الميادين ذكرى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 في لحظة فاصلة من تاريخ المنطقة، والصراع العربي – الإسرائيلي، ومن خلال شاشاتها، في عملٍ ملتزم رصين تلقي الضوء من خلاله على مرحلة مهمة وتاريخية من حياة العالم العربي. وكعلامة مضيئة وسط هذا العالم العربي المظلم، المنغمس في صراعات دموية، وانقسامات حادة، ومصطلحات طائفية، تضع الصراع العربي- الاسرائيلي جانباً، وتستقر الحال على سكوت مريب عما يجري في فلسطين، وتصبح فيه القضية الفلسطينية في آخر اهتمامات العالم المسؤول عما جرى فيها من مأساة، وعما يمكن أن يجري فيها من مآس يومية متكررة .

ففي الوقت الذي تتمذهب فيه الصراعات، وتضيع فيه البوصلات والاتجاهات، وتتفكك فيه الجيوش العربية، ويحدث الربيع العربي قطيعة وشرخاً مع القضية المركزية فلسطين، ويخرجها من الوجدان العربي، وتسحب السيوف العربية – العربية لتتقاتل في الساحات الداخلية، يبقى خنجر إسرائيل في قلب الأمة فلسطين.

تعيدنا شاشة الميادين إلى ذاكرة بيروت عبر استحضار الاجتياح الإسرائيلي في نسخة واضحة كوضوح الشمس، فيما لعبته بيروت عاصمة المقاومة إبان الغزو الإسرائيلي عام 1982 من دور في التصدي للعدوان الغاشم.

ربما يكون قد نسي جيل، أو تناسى، أو هناك من يحاول طمس ملاحم البطولة من ذاكرة الشعب اللبناني الذي تماهى بأروع البطولات، وقدم نموذجاً في الصمود. تلك الحقبة المضيئة كانت مدخلاً لتأسيس مقاومات أنهت زمن الهزائم، في العامين 2000 و2006.

بيروت، تلك المدينة العريقة، التي كانت عاصمة الفكر والثقافة والفن والمسرح والأدب، كانت ملتقى الإبداع والحرية، حيث تحولت بيروت إلى رئة يتنفس فيها الفارون من جبروت الأنظمة العربية، وعندما حاول تدنيسها الإسرائيليون قاتلت بأبنائها ولحمها وعظامها، دفاعاً عن العروبة، بينما كانت دول الخنوع والاستسلام والتآمر على ضفة التخاذل كعرب الردة حسب وصف الشاعر الكبير مظفر النواب، يتفرجون على دخول الدبابات الإسرائيلية إلى أول عاصمة عربية.

بيروت لم تخذل القضية الفلسطينية. قاتلت تحت راية الكوفية، وقاومت بكل مفرداتها الثورية، الفكرية – الشعرية – الفنية، في خنادقها ومتاريسها. امتزج العود مع الرصاص، كل قدّم إسهاماته على طريقته لمدينة السلام والحرب والحياة والموت. والشعر الذي وقف عاجزاً انتحر بشموخ (خليل حاوي)، وعلى سوار بيروت ومثلثها اختلط الدم وتعمد بين كافة الأحزاب والفصائل وغابت كل الألوان، لم يبق مرفرفاً سوى علم فلسطين.

لقد نجحت الميادين بقلم الإعلامي العربي الكبير رفيق نصر الله عبر الوثائقي (الاجتياح) من تقديم وتلخيص عقود الغليان وسنوات الحرب في عملٍ وثائقي – تاريخي يتضمن أهم المراحل السياسية والعسكرية التي عصفت بلبنان والمنطقة، فالاجتياح ليس عملاً تلفزيونياً بقدر ما هو جزء من الذاكرة اللبنانية، ومحطة أساسية في الصراع العربي – الإسرائيلي، والاجتياح جاء حصيلة لصراعات استمرت أكثر من ثلاثة عقود حافلة بالأحداث، وتعتبر علامة فارقة كونها مهدت لإنتاج مقاومة أكثر جذرية وثبات.

وهذا العمل الجبار (الوثائقي) كشف زيف الميديا وما فعلته الفضائيات من تشويه لدور بيروت في ما يعرف بالثورات الملونة والربيع العربي، بيروت كانت وستبقى عروس الشرق بقيامها ونضالها وكفاحها وهويتها العروبية المقاومة.

بتضافر الوطنيين الملتزمين والصادقين أمثال رئيس مجلس إدارة المحطة، والمفكر والسياسي الألمعي الأستاذ رفيق نصر الله، يمكن أن تستمر القضية الفلسطينية، وتحيا في ذاكرة شعوبنا، وتظل جذوة متقدة لا تنطفىء.