عندما يدخّن أوباما السيجار الكوبي
استغرقت رحلة باراك أوباما من واشنطن الى هافانا أكثر من نصف قرن. مدّ يد الصداقة إلى الجزيرة الجارة لكن الكلمة الفصل في الكونغرس. أن يقرر أوباما تدخين السيجار الكوبي لا يعني أن الحصار رفع أمام الإنتاج الكوبي الأكثر جودة في العالم أراضي أميركا الشمالية، في صفوف الكوبيين من يعتبر أن"التطبيع" بين البلدين يشبه وضع "السم في الدسم".
العاصمة التي تحمل إرثا عالمياً يفوق الخمسمئة عام، زيارته، بكل محطاتها، تترجم"الديبلوماسية الناعمة" التي يعتمدها الرئيس الموشك على الرحيل تجاه كوبا، فالإرث ثقيل ومحطاته قاسية، إذ منذ عام 1960 فرضت أميركا، وتحديدا إدارة الرئيس إيزنهاور، حصاراً قاسياً على كوبا فمنعت كل شيء عنها باستثناء الغذاء والدواء، لتعلن ادارة الرئيس كينيدي الحصار الكامل على الجار الصغير عام 1962، إنها مفارقة اليوم حيث يقول أوباما عن البلدين أنهما "شقيقان ولكنهما يتقاسمان الدم نفسه".
عام 1998، يزور البابا يوحنا بولس الثاني كوبا في أول زيارة بابوية منذ تسلّم كاسترو الحكم، خلال زيارته، يقيم الحبر الأعظم ما يشبه التوازن فينتقد انتهاكات حقوق الانسان من كاسترو، على ما كان يتهمه خصومه، والحصار الأميركي ضد كوبا. داعيا خلال القداس الذي ترأسه في العاصمة الكوبية إلى المصالحة بين هافانا وواشنطن.
بعد قرابة 88 سنة، يعدّ أوباما ثاني رئيس أميركي يزور كوبا. الأول كان كالفن كوليدج الذي زارها عام 1929 تحت حكم الديكتاتور جيراردو ماكادو، مع العلم ان جيمي كارتر زار كوبا ولكن بصفة "رئيس سابق" عام 2002.
أما اللقاء الأول بين أوباما وراوول كاسترو فحصل في 10 كانون الاول/ سبتمبر 2013 خلال مراسم دفن زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا.
حينها التقطت عدسات العالم المصافحة التاريخية بين الرجلين، لكن قبل ذلك حصل الكثير.
ففي 17 كانون الأول/ ديسمبر 2014 يعلن أوباما وكاسترو أنه وبعد عامين من المحادثات السرية توصل البلدان الى القرار الكبير القاضي بالعودة الى العلاقات الثنائية الطبيعية.
وفي قمة الأميركيتين في نيسان/ ابريل 2015 انتهى الجفاء الذي تجاوز عمره النصف قرن وقرر أوباما على إثرها إزالة كوبا عن لائحة أميركا حول الدول الداعمة للإرهاب، فعادت العلاقات الديبلوماسية في 20 تموز/ يوليو 2015 إلى مجاريها وافتتحت السفارة الكوبية في واشنطن وزار جون كيري كوبا للاحتفال الرسمي بافتتاح سفارة بلاده في هافانا في آب/ أغسطس 2015، لتسجل المفارقات فيتاريخ الدول، وفي زمن الحصار، زيارة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز كوبا في 19 شباط/ فبراير 2008 للاحتفال بعيد ميلاد فيديل كاسترو.
في اللحظة الرئاسية الأميركية، ومع احتدام المنافسة بين المرشحين لخلافة الكرسي الأول في البيت الأبيض، يكثر أوباما من فتح الأوراق البيضاء ودفن تلك السوداء كـ"بقايا الحرب الباردة بين الأميركيتين". حاول في كل الكلمات التي ألقاها في كوبا في زيارة اليومين أن يمحو مشاهد العزل والحصار والعقاب التي أرساها أسلافه من رؤوساء أميركا. على مشارف رحيله إلى مصاف "رئيس متقاعد"، يحاول الرئيس الأميركي "ترقيع" الكثير.
ربما يكون قد نجح ولكن بعدما فات الأوان، فدونالد ترامب الذي يسابق الزمن نحو البيت الأبيض وعد "الأيباك"، شبه الممر اليهودي الالزامي لعبور أي مرشح أميركي إلى الرئاسة، أن يصحّح ما سمّاها "أخطاء" أوباما كالاتفاق النووي التاريخي.
ومن دون إغفال لعبة "الأخذ والرد" بين البيت الأبيض والكونغرس بمجلسيه، ليس بعيدا أن يكون كل شيء "تاريخي" في انجازات أوباما موضوعاً نصب عين ترامب كهدف للنسف.
وهذا ما يجعل السؤال مشروعاً: هل تقف خطوة أوباما الانفتاحية عند عتبة رحيله أم أن الخلف سيكمل عمل السلف؟ ربما طلائع جواب قد تتبلور في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.