بين المبادرة العربية والمبادرة الفرنسية سجل حافل بالتنازلات
لا غلو في القول إن بعض العرب الذين يُصرّون على الاحتفاظ بسجل حافل بالهزائم من خلال تقديم تنازلات مُذلّة ومُهينة بحقّ شعبنا العربي بالخنوع والركون لمشيئة المُعتدي، ولن يكتفوا بتلك التنازلات بل إننا نستطيع القول وبضمير إنهم أوغَلوا في تآمرهم على مقاومة شريفة أرادت أن تمحو هذا السجّل المُذِل للعرب.
1) تنازل أصحاب المُبادرة العربية عن القرار الأممي رقم 194 والقاضي بحقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم واستبدال القرار بجملة تقول (إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين) بمعنى آخر، طمس قضية اللاجئين.
2) عدم مطالبة إسرائيل بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران من عام 1967 كشرطٍ لإبرام اتفاق سلام معها.
حينها اعتمدت فرنسا المُبادرة العربية المُعدّلة ضمن مرجعياتها في مُبادرتها. تزامن ذلك الاعتماد الفرنسي للمُبادرة بعد أيام من إعلان تحالف نتنياهو وليبرمان قبول المُبادرة العربية بعد تعديلها». تمهيداً للدخول في مفاوضات الحل المنشود.
وهنا يستحضرني ما ذكره الكاتب الفرنسي "إريك رولو" في مذكراته تحت عنوان ((في كواليس الشرق الأوسط)) يقول "إريك رولو". إنه حين جاء إلى القاهرة في العام 1963 استقبله الرئيس عبدالناصر الذي قال له إن إسرائيل يجب أن تُعيد الأراضي المُحتلّة وأن تسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم. أضاف عبدالناصر إنه لا يوجد مشروع لتسوية سلام لأن إسرائيل لا توافق إلا على سلام بناء على شروطها. وحين سأله إريك: ما هو الحل الذي تقترحه؟ ردّ عبدالناصر عليه قائلاً: إن كان لديك حل تقدّمه، فيسعدني أن آخذه في الاعتبار.
التقط إريك رولو كلمات عبدالناصر واعتبرها بمثابة بالون اختبار لجسّ النبض ودعوة إلى الحوار»، على حد تعبيره. وفي أول زيارة له إلى تل أبيب، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "ليفي أشكول" الذي اعتبره رجلاً مُعتدلاً وميّالاً إلى الحلول الوسط ونقل إليه كلمات عبدالناصر، ووصف تلك اللحظة قائلاً: كنت انتظر أي شيء غير رد فعله الحاد حين باغتني "أشكول" قائلاً: "ولا شبر واحد ولا لاجئ واحد". وكانت تلك الكلمات الوحيدة التي صدرت عنه بجفاء.
وحتى اليوم لم يتبدّل موقف إسرائيل بينما نحن العرب نتهافت على تنازل تلو التنازل بدءاً من كامب داڤيد إلى أوسلو إلى وادي عربة إلى واي ريڤر إلى واي بلانتيشن، لم يقدّم للعرب والفلسطينيين أي شيء بل إن الاستيطان زاد بنسبة كبيرة واحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية في القدس والضفة والخليل، ناهيك عن محاولات تهويد القدس وطرد ساكنيها العرب بازدياد مستمر وبوتيرة عالية من دون وازع ولا رادع، حتى بتنا على يقين إن فلسطين تتبخّر من وجدان بعض العرب وتذوب في بحر المصالح والمساومات رويداً رويداً، ليدفع العربي الفلسطيني المُعذّب والمقهور ثمن الفواتير المُقدّمة من بعض العرب ومن الدول المفترض أن تكون مُناصرة للحقّ الفلسطيني والعربي مثل روسيا التي قبلت بالمُبادرة الفرنسية على حساب فلسطين. وفي هذا الصدد نُقل عن نائب رئيس مجلس الوزراء "إيغال ألون" قوله إن: إعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا تعني تفكيك دولة إسرائيل. هذا يعني أن إسرائيل تعتبر كل ما وضعت أيديها عليه هو أرض الأجداد وعلى كل مَن يتطرّق إلى الموضوع أن يضع هذه المعلومة في اعتباره.
وهنا لا بدّ لنا من السؤال على أي شيء يتمّ التفاوض إذاً؟ بالتأكيد لن نجد جواباً واضحاً من قِبَل المُنغمسين بالبحث عن حل للقضية الفلسطينية من عرب وغرب وأمريكا وحتى روسيا، إلا جواباً واحداً بجملة واحدة هي ضرورة التخلّص من قضية فلسطين وحقّ الفلسطينيين بأية طريقة وتحت أي مُسمّى، أكانت مُبادرة عربية أم مُبادرة فرنسية أم غربية أم لجنة رُباعية مُنتهزة فرصة التشرذّم والتفكّك العربي وتنصّل عرب الاعتدال من الالتزام بالقضية المركزية فلسطين، ليُترجم هذا التنصّل بلقاءات علنية وسريّة بين بعض المسؤولين العرب مع مسؤولين إسرائيليين تحت عنوان البحث عن آفاق السلام بين العرب وإسرائيل.
إن مفهوم المصالح المُشتركة التي غالباً ما نُجبَر على فهمها من زاوية الضروره يتعذّر علينا فهمها من باب الالتزام بالقضايا القومية المُحقّة لشعب احتُلت أرضه وتمت مصادرتها، وهُجّر من وطنه ويُمارَس بحقّه أبشع أنواع التنكيل والتعذيب والاعتقال التعسّفي والتمييز العنصري وهو الشعب العربي الفلسطيني.
لا غلو في القول إن بعض العرب الذين يُصرّون على الاحتفاظ بسجل حافل بالهزائم من خلال تقديم تنازلات مُذلّة ومُهينة بحقّ شعبنا العربي بالخنوع والركون لمشيئة المُعتدي، ولن يكتفوا بتلك التنازلات بل إننا نستطيع القول وبضمير إنهم أوغَلوا في تآمرهم على مقاومة شريفة أرادت أن تمحو هذا السجّل المُذِل للعرب لتبني جيلاً جديداً مؤمناً بالمقاومة ضدّ عدوّ مُحتل وغاصب للحقوق العربية، ليكتب هذا الجيل التاريخ العربي من جديد فيه العزّة والكرامة والندّية لكل من يحاول التفريط بحقوق العرب وفلسطين والفلسطينيين، والدفاع عن سورية التي تدفع الأثمان الباهظة من دماء أبنائها وأرضها وشعبها الذي بات طُعماً سهلاً للحيتان والأسماك في عرض البحر، رافضة التنازل أو الخنوع للإملاءات الغربية مُلتزمة الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين والعرب.