فوبيا الوحدة العربية

ليست العبقرية في إيجاد الإجابات فقط، بل في استدعاء السؤال المناسب، لتأسيس فكرة أو نظرية، لأن الأسئلة المحكمة والدقيقة، هي التي تؤسس لنظرية تقدم إجابات مبدعة. والله وحده يعلم كم أنفق العرب من ملايين أو مليارات من أجل قتل العقلية التساؤلية، بل واعتبار السؤال مدخلا لمعارف لا تفيد، أو تفتح أبواب الشر.

المصابون بفوبيا الوحدة العربية مهما بلغوا من قدرات فإنهم لن ينجحوا في إقناع الشعوب أنها بخير
وقف عشرات ملايين التلاميذ العرب في طوابير المدرسة مرددين أغنية الحلم العربي العتيد: بلاد العرب أوطاني..، وكلت ألسنة الأساتذة وهم يتكلمون عن عوامل تلك الوحدة، التاريخ، والجغرافيا واللغة، والثقافة.. إلخ.. ولكنهم لم يتكلموا عن معيقات تلك الوحدة، لا بل إن الطلبة حين كبروا قليلا ليسألوا هذا السؤال، لم يجدوا إلا إجابات ذات محتوى شوفيني قطري، حولتهم لاحقا إلى جنود في حروب تخدم الأجنبي.

ومن كبر منهم ليلتحق بصفوف النخبة، تحوّل إلى مسوّق سياسات بمسمى محلل سياسي، أو إعلامي يغلف تكتيكات الحاكمين بعبارات غسيل الدماغ. وأما القلة من النخب التي تحترم نفسها وفكرها، وبقيت مصرة على فكرها النهضوي، فقد أعدم خطابها تحت ركام الترهات الكثيرة، التي تملأ السمع والبصر والكتب، حتى وصلنا إلى مرحلة أزمة الهويات القاتلة، التي جعلتنا نرتد من شعار الوحدة، إلى الخوف من المساس بقدسية حدود سايكس ــ  بيكو، وصار الفكر القومي عاهة أمام الفرض الكبير وهو الاصطفاف القطري، الذي قد يتحالف ضد قطر آخر عربي، مساندا لغزو أجنبي، بينما يتجاوز الإسلام السياسي الحدود ولا يعترف بها.
 

ليست العبقرية في إيجاد الإجابات فقط، بل في استدعاء السؤال المناسب، لتأسيس فكرة أو نظرية، لأن الأسئلة المحكمة والدقيقة، هي التي تؤسس لنظرية تقدم إجابات مبدعة. والله وحده يعلم كم أنفق العرب من ملايين أو مليارات من أجل قتل العقلية التساؤلية، بل واعتبار السؤال مدخلاً لمعارف لا تفيد، أو تفتح أبواب الشر.

ما معيقات وحدتنا؟ هذا هو السؤال الذي يجب على المؤمنين بفكرة الوحدة أن يقدموا إجاباته، بدلاً من خطاب التعاطف العربي، واستدعاء عقلية "الفزعة" بديلاً من الإيمان بالوحدة، ما معيقات وحدتنا؟ هو السؤال الأساسي الذي لا يجوز أن تتركه النخب دون إجابة، فتسرح عقول الشباب العربي في فضاءات اليوتوبيا، أو تصر على تصور ذاتها بالمرآة الاستشراقية.

ما معيقات وحدتنا؟ هو السؤال الذي قد يجعل العربي المخلص لقوميته وعروبته، يفقد مصدر رزقه، أو يقتل، أو يبقى متشرداً على قارعة الطريق، وهو السؤال الذي استنزفت النخب العربية جهودها من أجل تقديم إجابات ضمنية عليه، أو تلاشيه.

العبارات البلاستيكية للنخب العربية يجب أن تختفي من قاموس  الفكر السياسي الحديث، فاحترام الرأي الآخر والديمقراطية والحرية الفكرية لا يجوز أن تكون غلافاً يحول الخيانة إلى وجهة نظر، لأن كمّ الدماء الهائل الذي ينزف في أوطاننا، يستوجب وضوحاً فكرياً بمعنى أن هناك أفعالا خيانية ترتكب وتطيح بمستقبل أمتنا، وأن هناك من يدفع المليارات من اجل تخريب فرص التنمية في الوطن العربي، وأن هناك منظومات حكم أشبه بالمافيات تتلون بكل الشعارات، ليس لديها رؤية أو رسالة.

من يرتكب فعل الخيانة لا يجوز أن تحترم مشاعره حين يتلقى عبارات التخوين، هذا هو  الحل إن أردنا استخدام لغة صادقة، وإن أردنا أن نتصالح مع مبادئنا، وإن أردنا أن نقدم إجابات شافية - للأسئلة التي إن بقيت دون إجابة - فسيكون مستقبل أبنائنا بسبب ذلك مظلما، ولن تتعدى فرص بقائهم قضبان العبودية للأجنبي، الذي ارتاح طويلا في ضيافة العربي الذي لا يبخل على ضيفه بشيء، حتى أرضه ، فيقدمها لتخاض عليها صراعات الأمم التي تعلمت من حربيها العالميتين أن تنقل حروبها إلى أراضي الغير.

هناك كيانات عربية تمثل رديفاً للصهيونية، بل حاضنة لها تموت إذا انتكست، وهي دول وظيفتها دفع المليارات لتنمية التخلف، وأن تكون قاعدة احتياطية لأعمال الاستخبارات والمناورات العسكرية، ودرعا جغرافيا لإسرائيل، ودولة تبيع بعض الأمن للمنطقة،  فتقبض من إسرائيل ثمن أمنها، وتقبض من آخرين ثمن اصطفافاتها وشعبها يموت جوعا وتخلفاً.

في زمن التعري، تقفز إلى الوعي عبارة: "التظهير يسبق التطهير" وقد بلغ بعض العرب في تعريهم درجة لا يمكن استخدام لغة الدبلوماسية معها، الراديكاليون فقط، هم الذين يمكنهم فرض خطاب جديد وواقع جديد، لتغادر الوحدة العربية مربع اليوتوبيا إلى الواقع، أما المصابون بفوبيا الوحدة العربية، فمهما بلغوا من قدرات في الاختراق فإنهم لن ينجحوا في إقناع الشعوب أنها بخير ما دامت قبائل يحدد لها الأجنبي حدودها.