التاريخ يُعيد نفسه في الحرب السورية

ما أشبه الماضي بالحاضر. رغم تبدّل الأزمنة وتطوّر الحضارات والشعوب إلا أن العقل البشري ظلّ متقمصاً ومتمسكاً بأفكار متعصّبة لا تمت إلى الديانات السماوية بصلة. ومستغلاً الدين كبطاقة رابحة تخوّله اللعب والعبث من دون رقيب أو حسيب، إنما تشجّعه بعض الدول حاملة راية الإسلام للعبث بحضارات ومستقبل دول غير مدركين خطر هذه الحرب على الإسلام وباقي الديانات.

التاريخ الآن يُعيد نفسه حاملاً راية الإسلام في سبيل تطهير الدول العربية من النصارى والروافض

التاريخ يذكّرنا بحرب غابرة سبق وذكرتها في مقال تحت عنوان "الحرب بإسم الدين... التاريخ يُعيد نفسه في سورية والمنطقة" حيث استغل الغرب الدين كحجّة داهية وذريعة خبيثة لتحرير الشرق من المسلمين ولكن تكشّفت الحقائق وظهر الهدف الأساسي. نكاد نجزم بأن الغرب لم يتخل يوماً عن فكرة السيطرة على مقدّرات المنطقة ولكن هذه المرة بخطة أكثر دهاءً وهي تقليب الشرق الأوسط ببعضه البعض بلمسة غربية، وخطّة مدروسة تبدأ بتحرّكات شعبية وتنتهي بنشر إرهابيين في المنطقة يحاربون بإسم الدين الإسلامي. هكذا تتشرذم المنطقة. والمسلم يقتل أخيه المسلم أو غير المسلم، وتأتي الدول الغربية لتنقذ البشرية من جور الإسلام وتنشر السلام وتسيطر على الشرق الأوسط سياسياً بحجّة نشر الديمقراطية.

التاريخ الآن يُعيد نفسه حاملاً راية الإسلام في سبيل تطهير الدول العربية من النصارى والروافض وغيرها من الطوائف التي نعمت بشيء من السلام الداخلي بين بعضهم البعض حيث لم تتمكن السياسة من العبث لتفرّقهم عبر السنوات الماضية، لتبدأ حرب التعصّب الديني من جديد ولكن بوحشية ودموية أكثر بكثير  مما مضى. العبارات نفسها تتكرّر، ضرورة قتل المسيحي والرافضة المرتدّة عن الدين.  من قال يحق للمسلم قتل ذميّ أو شيعي؟ أليس المسيحي من أهل الكتاب؟ ألم يحفظ القرآن الكريم حق المسيحي ؟ ألم يلعن رسول الله قاتل الذمي؟ رواه القاسم بن مخيمرة عن رجل من أصحاب رسول الله أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قتل رجلاً من أهل الذمّة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً». إذا كان رسول الله لعن من يقتل ذمّياً فكيف يكون جزاء من قتل مؤمناً؟ أليسوا الشيعة مسلمين  ينطقون الشهادتين ويؤمنون بالله ورسوله والقرآن الكريم؟ فقد قال الله تعالى

:  

«وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً» (93) [النّساء]

وقوله تعالى: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا» [الحجرات: من الآية9]. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً )) روى أبو داود والترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى.

الأحداث التي تجري على الساحة اليوم تذكّرنا في الفتاوى الدينية التي كانت تصدر من بعض رجال دين مُتعصبين مسيحيين أو مسلمين بحق شعوب لا ذنب لها إلا أنها تختلف في الديانة وتُقتل من أجل مصالح سياسية. بفضل هذه الفتاوى الدينية أصبح اليوم الدين الإسلامي في نظر الشعوب الغربية دين الاضهاد والتنكيل بالشعوب وهذا فعلاً من  ضمن ما أرادته السياسة الغربية من إظهار للإسلام على أنه ليس دين التسامح. 

مَن نصّبكم لتقتلوا بإسم الدين؟ ألستم رجال علم ومعرفة في الدين !!  ألا تعلمون أن الدين براء من قتل الأبرياء؟ ألم يحرّم الله ورسوله التعذيب والقتل بغير حق؟ ألا تقتلون الإسلام ألف مرة في كل عين أم تدمع على فراق أبنائها وعلى قتل نفوس بريئة؟ شرذمتم الدين، فرّقتم الشعوب،  دمّرتم حضارات، قتلتم،  بعثرتم تاريخ شعوب بعد تهجيرهم ، صنعتم أفكاراً دينية متعصّبة علّكم تكسبون حروباً ولكن لن تستطيعوا بناء دول  على باطل. الأهم هاجمتم دين الله ورسوله بقتلكم بإسمه بدل نشره بمحبة وترك لكل إنسان حرية اختيار دينه ومذهبه.

السؤال الأهم من خلال كل الأحداث التي تجري على الساحة اليوم والحرب الدينية القائمة ضدّ المسيحيين والشيعة، أين الديانة اليهودية من كل ما جرى ويجري؟ أليست بنظر هؤلاء المدافعين عن الدين الإسلامي يعتبرون من أهل الذمّة و دفعوا الجزية للدول الإسلامية خلال العصور الغابرة؟ لماذا تم تحييد هذه الطائفة عن هذه الأحداث الدامية في حق الشعوب؟ أم أن الهدف هو إخلاء الشرق من المسيحيين ونشر الاقتتال بين المسلمين بهدف تثبيت الصهاينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فلا طمأنينة لليهود ما دام  المسيحيون يعتبرون أن القدس وبيت لحم مهد المسيح وبيت الحجّ لهم ؟ فكيف  بالمسلمين  وخاصةً الشيعة المطالبين بعودة فلسطين إلى ذويها؟ أين الغرب من تهجير المسيحيين من العراق وسوريا لم يحرّك ساكناً أو يصدر قراراً بحق هؤلاء الجماعات التي قتلت ونهبت حضارات ودمّرت آثارهم وكنائسهم وهجّرتهم، لماذا فتحت لهم أبواب الهجرة؟ أم أن السياسة تقتضي بإفراغ الشرق من تنوّعه الديني ليصبح شرقاً إسلامياً وغرباً مسيحياً؟

أين علماء الدين من كل ما يجري؟ أليس الجدير بهم أن يصدروا فتاوى تحرّم قتل النفس؟ دين الإسلام هو دين التسامح وليس دين القتل والاضطهاد وتكفير الآخر والتنكيل في الشعوب. ألا يكفيكم تشرذماً بإسم الدين ؟ أحقاً الدين الإسلامي يقول انحروا أخاكم الإنسان واقتلوه واحرقوه واهدموا الجوامع والكنائس؟ هل يرضى الله ورسوله عن استخدام القرآن وآياته بهدف قتل الآخر؟

المُحزن المُبكي أن حكّام الشرق لم يتعلموا من التاريخ ولكن يعيدون كتاباته بطبعة جديدة حتى لو اختلفت التسميات، لكن الهدف واحد، تشويه صورة ديانة سماوية وجد الغرب فيها قوة ممكنة لأن تهّدد كيانه الاقتصادي والأهم تشويه صورة مقاومات تهدّد كياناً صهيونياً احتل أراضٍ مقدسة محاولاً طمس تاريخها وإثبات تاريخ باطل على حساب أهلها الفلسطينيين.

هل سنشهد حرباً جديدة من قِبَل الغرب ولكن هذه المرة حرب اقتصادية بلعبة سياسية تخوّل هذه الدول الحصول على مكاسب نفطية جديدة لم تستطع الحصول عليها في أوقات السلم؟ الآن تستطيع الحصول عليها عبر حرب "نشر السلام" في العالم الإسلامي و"مكافحة الإرهاب" مقابل توزيع الحصص. هل ستقسّم سوريا إلى فيدراليات بحسب مصالح الغرب؟ أو أنها ستستطيع القضاء على حلم الغرب لتقسيم سوريا والمنطقة ؟؟؟

ألم يلاحظ الشرق بعد  أن الغرب تحكّم ويتحكّم في مصيره منذ آلاف السنين؟ ألم يحن الوقت لوضع حد لهذه السيطرة والقول نحن موجودون بجميع أدياننا وعقائدنا؟ فلا دين في السياسة ولا سياسة في الدين. ألا يحق للشعوب أن تقرّر مصيرها بعيداً عن السياسة والحرب الدينية؟ هل تقاتلون فعلاً في سبيل الدين الإسلامي أو تقتلوه؟ أم تقتلون المختلف معكم في الأفكار والأهداف؟

 الإجابة تبقى برسم علماء وحُماة الدين الإسلامي وليس برسم رجال الدين السماسرة ....