الأزمة السورية.. هل دقّت ساعة الحل؟
مع اقتراب الثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير الجاري، تاريخ بدء محادثات الآستانة في كازاخستان بين النظام السوري والمعارضة، تتعاظم التحدّيات أمام المجموعات المسلّحة التي استُعملت من قِبَل القوى الدولية والاقليمية في شنّ العدوان على سوريا، لإنهاء دورها المحوري ضمن محور المقاومة الذي شكّل توازن رعب مع العدو الإسرائيلي.
لم تكن هذه الحرب القذرة تحرق الأراضي السورية فقط، إنما استهدفت الإنسان في الوطن العربي والإسلامي عبر تزييف وعيه وتسميم قِيَمه عبر الضخّ الإعلامي والفتاوى الدينية، التي أوغلت في التحريض المذهبي لنسف كل الجهود التي بُذلت من طرف علماء ومرجعيات ومفكّرين من التيارات والمذاهب الإسلامية والسياسية كافة لردم الهوّة وتقريب وجهات النظر وإذابة الخلافات، انتصاراً لمنطق الأولويات الذي يضع الصراع العربي/ الإسرائيلي على قائمة الاهتمام.
لذا فالعدوان على سوريا كانت له أهداف عديدة، علّ أبرزها نسف ما حققته المقاومة اللبنانية والفلسطينية من انتصارات متتالية على العدو السرائيلي، وكسر التعاطف الشعبي مع المقاومة، لكونه سبّب إحراجاً غير مسبوق للأنظمة العربية التي راكمت الخيبات في ملف الصراع العربي/الإسرائيلي.
هذه هي أبعاد المشروع الغربي- الإسرائيلي، الذي انطلق من قضايا الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لبثّ الفوضى العارمة وفتح المنطقة على جحيم الانقسامات والحروب الأهلية، لتعطيل بناء ذات عربية قادرة على صون مقدّراتها واستقلالها، حماية لإسرائيل في المنطقة.
والآن، وبعد فشل المؤامرة وبداية انفراط عقد الدول التي استثمرت سياسياً وعسكرياً في الأزمة السورية، أين يوجد العرب وتحديداً الدول الخليجية التي كانت متفائلة إلى حد اليقين بإسقاط النظام السوري؟ إلى متى سيستمر هؤلاء في دعم منظمات مهمتها زرع الموت وتلويث صورة الإسلام؟
إن المحادثات التي تنطلق في الأيام القادمة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، تُعدّ محطة فارقة ومناسبة للدول الداعمة للمسلّحين لمراجعة نهجها والعمل بذات الحيوية والإيجابية لوقف شلال الدم الذي سال بغزارة ودفع ثمنه غالياً الشعب السوري.
إن الدور الرسمي العربي في الأزمة السورية بلغ درجة من الانحدار بعد قرار تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وتفويت مقعدها للمعارضة. لكن االراجح في القمة المقبلة والتي تحتضنها العاصمة الأردنية عمّان في آذار/ مارس القادم، لن يكون مقعد سوريا هبة سخيّة للمعارضة، فالظروف تغيّرت وما عادت تسمح بتحويل جامعة الدول العربية إلى مديرية صغيرة في هياكل وزارة خارجية بعض الدول الخليجية.
إن حجم التحوّلات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة لم تعد في صالح الدول التي وضعت سوريا على قائمة الأعداء. فهاهي تركيا تقفز من قُمرة قيادة التمرّد على النظام السوري لتركب قطار الحل السياسي وتطوي بذلك حلماً توسعياً راود الأتراك الجُدد.
وها هو النظام الرسمي العربي والخليجي على وجه الخصوص يعدّ الأنفاس مترقّباً وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والذي أكّد في تصريحات سابقة على أن الحل في سوريا يمر عبر التحالف مع روسيا ونظام بشّار الأسد لمواجهة التهديدات التي يمثلها تنظيم الدولة (داعش).
الشيء نفسه بالنسبة إلى فرانسوا فيون الرئيس الفرنسي المُرتقب بعد انتخابات نيسان/ ابريل المقبل الذي لا يرى موقعاً لفرنسا إلا في جبهة التصدّي لتنظيم الدولة أي إلى جانب النظام السوري.
كل هذا يدعو العرب والخليجيين تحديداً إلى قراءة واستشراف المستقبل القريب واجتراح الحلول الضرورية لنزع فتيل الحروب التدميرية، بدلاً من الهروب إلى الأمام في ظرف بات منسوب المخاطر الذي يعمّ المنطقة عالياً جداً.
أمّا بالنسبة إلى حلفاء سوريا وتحديداً إيران وحزب الله، فالحاجة ماسّة لتصحيح الصورة التي غرستها الماكينات التحريضية التي تتّخذ من فقه الفتنة والانقسام مرجعية لها، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يعزّز مقولة "الخطر الإيراني".
إن تبديد هذه الصورة يحتاج إلى جهود كبيرة لفضح تيّارات الغلوّ والتطرّف والتبرّؤ منها، سواء كانت ادعاء على المذهب الشيعي أو السنّي وتمكين العلماء المتنوّرين من كلا الاتجاهين من إطلاق مبادرات لوقف الاحتراب الطائفي الذي اتخذه أعداء الأمة وقوداً لإدامة الاقتتال بين مكوّنات الأمّة.
أما لجهة النظام السوري الذي صمد في وجه المؤامرة، فهو مُطالب اليوم بالتفاعل الإيجابي مع ضرورة الإصلاح السياسي وإقرار العدالة الاجتماعية تقويةً لدور سوريا، فالرئيس السوري بشّار الأسد صرّح أخيراً لوسائل إعلامية فرنسية أن كل شيء قابل للمناقشة.
إن الانفتاح وتغليب مصلحة سوريا بعد خمس سنوات من الدمار سيكون حاسماً في فصل المعارضة التي لها رؤيا ومشروع لبناء سوريا قوية وموحّدة وبين الجماعات المسلّحة التي ينحصر عملها في تدمير سوريا وتعطيل دورها إلى جانب حلفائها في مواجهة المشروع الإسرائيلي في المنطقة. فهل يا ترى ستربح دمشق رهان توأمة الدولة المقاومة مع الدولة الديمقراطية؟.