الجزائر و"لعبة الرمال المتحركة"
إن "الربيع العربي لا نعرفه ولا يعرفنا" هكذا أكّد رئيس الحكومة عبد المالك سلال وهذا ما تؤكّد عليه أجهزة الاستخبارات الجزائرية بعد أن فكّت كل شفرات التجسّس على الجزائر، البعض منها كان يريد الفتنة في بيئة بها المذهب الإباضي الجزائري وهو مذهب راق ومعتدل وأتباعه يصلّون في مساجد السنّة مند آلاف السنين ولا حساسية بين الاثنين.
لقد تبيّن لمصالح الأمن أن للخلية امتداداً خارجياً وبعرقيات متعدّدة، والكشف عنها في الواقع ليس جديداً بل كانت مراقبة من سنة تقريباً قصد الوصول إلى الفاعل الأصلي والمحرّك الرئيسي لها، لأن المخابرات الجزائرية قاعدتها العمل في صمت، حتى وإن تحكّمت في الوضع، وكانت المجموعة تسعى إلى إثارة البلبلة في الجزائر بدءاً من ولاية غرداية بعد أن استتب الوضع بها وبعد أن سعى أثرياء سعوديون إلى إثارة الفتنة فيها. أكيد، في منطق السياسة، أن تكون ضمن ثوابت ما تؤمن به الأمّة التي تنتمي إليها، والذين يملكون هذا الإحساس بالمنظور السياسي يملكون الواقع بالمنظور المحسوس والملموس معاً، ثقافة الذات هي ثقافة متنامية يغذّيها الواقع والإحساس به، وليس مجرّد وعاء لمواقف قد تتجافى فيها حتى الأوهام فضلاً عن الحقيقة .. ثمة من ينظّر للأوهام بادّعاء خاطئ ربما لامس شعوره لحظة ما من أن الجزائر متاحة للعب بالنار فيها، ولكن مقابل ذلك ثمة من يخزن في ذاكرته الحروف التي لا تصلح إلا لوقتها، أي الظروف الحرجة، فينقذ بها مستقبل أمّة بكاملها وهذا هو منطق أجهزة المخابرات الوطنية .. شيء جميل أن يحترق الفرد ويغامر بكل ما لديه من أجل فك رموز أجهزة معادية تريد القصاص من الجزائر لأننا أحرزنا التقدم فيها، أو لأن لها فيها مواقف تناقض مواقفها ونكون بالتالي من وجهة نظر الواقع قد ألغينا من ذاكرتنا مسافة المسافات السلبية، إن من ماضينا أو حاضرنا وإن بقيت الصورة السوداء لحقبة الاستعمار راسخة فيه، صورة بالتأكيد دائمة الحضور، لقد أصبحنا قرب الأظافر الأخرى لأعدائنا، هكذا تقول أبجديات المخابرات الوطنية.. لقد تجاوزنا ما هم عليه من تخطيط لتحويلنا إلى مصاف التخلّف والانتحار، في "دول الربيع" المشؤوم، بل أسقطنا عليهم ما كانوا يحلمون به حتى صاروا هم أقل قدرة على النفاذ إلى ما نحن عليه اليوم من أمن وأمان، ومن وراء كل ذلك بالتأكيد كل الأجهزة الأمنية، والجيش الوطني الشعبي - سليل جيش التحرير والمقاومة - والمخابرات، ألم تعجز جل المخابرات الأجنبية عن فهم ما قامت به أجهزة المخابرات الوطنية من رصد وتفكيك للشفرات السرّية ونحوها في قضية "عين أميناس" ومركب الغاز فيها والتي لو تمت الخطة بخلفياتهم الإجرامية لكانت الجزائر اليوم في العدم اقتصادياً واجتماعياً إنساً منسياً..
جاء في نفس البرقية السرّية المذكورة أعلاه وبرأي هؤلاء القادة - قادة المخابرات الجزائرية - فإن حركة مختار بلمختار هي عضو رئيسي في هذه المجموعة ووجّهت لشن الهجوم على المجمع الصناعي الغربي بمناسبة العمليات العسكرية الفرنسية في مالي. ويعتقد المسؤولون الجزائريون أيضاً أن أنصار الشريعة في ليبيا يمارسون دور التغطية للمنظمة. قد سمح الهجوم على عين اميناس لحركة مختار بلمختار بإخراج الحكومة الجزائرية من الساحة "الليبية" وأشار المسؤولون أيضاً إلى أنه بينما كان أعضاء حركة مختار بلمختار يعدون الخطط للهجوم انضمت إليهم قوى مغاوير من المقاتلين المحنّكين من مالي وليبيا والمملكة العربية السعودية والصومال ومصر. فالذين كانوا من خلف المغامرة وأهدافها من الدول وهم كثر، كانوا متأكدين أن الانفجار حادث ولذلك لما فشلت صمت الكل حتى على أولئك الذين قتلوا من الأجانب!! بالطبع كانوا يخطّطون للدخول في اللعبة الدموية باسم مواطنيهم العاملين في تلك القاعدة الصناعية تحت غطاء إجلائهم..؟ لكن جاءت المفاجآت من حيث لا يدرون، إذ أن كل شيء انتهى في لحظات من الزمن، بقتل المجوعة الإرهابية بكاملها، وأن الجزائر بالتالي عدّت في نظرهم - ربما أفصحوا عنه لتبرير خطئهم - قوية بمخابراتها.. ألم يكن " ساركوزي" يؤكّد على أن الجزائر هي عصب "الربيع العربي " المشؤوم قي شمال إفريقيا، لأنها قلب الشمال الإفريقي بل بوابة إفريقيا كما يقول "نابوليون" والأقوى اقتصادياً وعسكرياً، وعليها أن تسقط، و كان على شبه يقين بذلك، لكنه صدم لما رأى أن الجزائر بمخابراتها علمت سرّ الحملة عليها وهي في مهدها ورصدت لها قوانينها، بل إن "جورج بوش الإبن" قال ذات مرة في همس "لشيراك" إن بوتفليقة إن لم يكن رجل التاريخ فهو رجل المهمات الصعبة وحاول أن ينبهه منه وقد قال شيراك هذا في زلّة لسان منه، في لقاء ضيّق بسويسرا..
كان ذلك بداية الفهم لما يمكن أن يوضح مسار الجزائر وطبيعة قوتها المستمدة من قوة مخابراتها ومن شعبها وجيشها وتاريخها ودينها.. وهذا كله لم يأت من الفراغ أو بناء على صدى الصوت الآتي من خلف الأبواب.. نقول ذلك لأن ما قرأناه، لما سرّبته بعض أجهزة المخابرات أو نطقت به الألسن من الغربيين وغيرهم أوصلنا إلى هذا الاعتقاد، ثم إن توصيف التاريخ في هذا المجال ليس ببعيد عن ذلك الجزء الخفّي من الوقائع والأسرار.. تقارير عدّة تحدثت عن تورّط الوهّابية بدُعاتها التكفيريين في الفوضى التي مرّت بها الجزائر في (العشرية السوداء) وأموال دُفعت وفتاوى تم تفقيسها بعيداً عن الدين ومن صلب البلاط الوهّابي!! وكانت كل الدول بما فيها بعض الأعراب ينتظرون قسمتهم من الجزائر بعد تفتيتها!! وبعد أن تسقط بلا عودة حسب اعتقادهم، وكانت فرنسا بمخابراتها تلعب على وتر الجهوية وهي لا تعلم أن ابن باديس رائد النهضة الإصلاحية من قبيلة صنهاجة الأمازيغية وأهلها متدينون حدّ العظم وحدّ الشهادة.