قانون نقل السفارة إلى القدس والحرب الدينية القادمة

يشير موقف غالبية النواب والشيوخ الأميركيين من قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2334 الأخير- الخاص ببطلان كل المشاريع والمدن الإستيطانية للاحتلال الإسرائيلي في أراضي الفلسطينيين والسوريين المحتلة منذ عام 1967م، واعتبارها باطلة لاتنشىء حقوقاً، مهما تقادم الزمن عليها ،لمخالفتها الصريحة مبادىء القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية - إلى تطرف أعضاء الكونغرس الأميركي وتماهيهم مع الاحتلال، وتحدّيهم الفاضح والصريح لما أجمع عليه المجتمع العالمي بدوله وحكوماته وشعوبه المتحضّرة وموقفها الرافض دوماً لإجراءات دولة الاحتلال في أرض "دولة فلسطين تحت الاحتلال" وهضبة الجولان العربية السورية.

وقد وصف معظم أعضاء الكونغرس بغرفتيه النواب والشيوخ، ومن كلا الحزبين: الديمقراطي والجمهوري، تصويت مجلس الأمن الدولي على القرار المذكور وإدانته ورفضه للإستيطان الإسرائيلي واعتباره لاغياً وغير شرعي، على أنه قرار معاد لـ"إسرائيل"، مُطالبين  بمعاقبة الأمم المتحدة من خلال حجب التمويل الأميركي عنها، وحاثّين إدارة الرئيس المُنتخب الجديد ترامب، حال تولّيها الحكم بذل جهد إضافي من أجل إصلاح الضرر الذي أحدثه الرئيس أوباما، بامتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار، والاكتفاء بالامتناع عن التصويت، مما مرّره، الذي قد "يؤثر على نحو 60 ألف مستوطن أميركي يقيمون  في مستوطنات في الضفة الغربية وشرقي القدس" المحتلتين، كما جاء  في مشروع بيان الكونغرس الأميركي مؤخراً، الذي طالب بتفعيل قانونه الصادر بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1995 تحت مُسمّى "قانون نقل سفارة  القدس 1995=Jerusalem Fmbassy Act" الذي نال أغلبية الأعضاء بنقل السفارة الأميركية  من "تل أبيب" إلى مدينة القدس المحتلة التي وصفها القانون إياه بـ"العاصمة الأبدية والموحّدة لإسرائيل"، وبالتالي بات تنفيذه ملزماً للرؤساء الأميركيين بدءاً من الرئيس بيل كلينتون وجورج بوش الإبن وباراك أوباما لكنهم كانوا يؤجّلون تنفيذه بتوقيع مرسوم كل ستة شهور، بناء على الثغرة القانونية في متن القانون التي شرعت تأجيل التنفيذ لمرات وليس لمرة واحدة تحقيقاً لمصلحة أمنية أميركية، لكن مشروع البيان الجديد الذي قدّمه ثلاثة أعضاء في الكونغرس عن الحزب الجمهوري هم: تيد كروز(Ted Cruz) – (مواليد عام 1970، وأحد مرشّحي الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة مؤخراً ، وإسمه عند الولادة:رفائيل ادوارد كروز، تخرّج من جامعة برنستون وتولّى منصب المحامي العام لولاية تكساس ،2003-2008)، الذي أكد في بيان له "حان الوقت نهائياً لتجاوز ازدواجية الكلام ،والوعود المُنتهكة، والقيام بما قال الكونغرس في عام 1995 ،أنه يجب القيام به ، أي نقل سفارتنا رسمياً إلى عاصمة حليفنا العظيم إسرائيل"- مُشيراً  إلى  أنه  قدّم المشروع بشكل مشترك مع زميليه "دين هيلر" و"ماركو روبيو"، وأنه ينتظر العمل بفارغ الصبر للعمل مع دونالد ترامب لتحقيق ذلك، في حين رأى زميله الأخير أنه على الرئيس الجديد ترامب "إزالة "الثغرة القانونية" التي سمحت للرؤساء الأميركيين في وقت سابق بتأجيل نقل السفارة.

وليس بخاف على أي متابع لتطوّرات القضية الفلسطينية  في المجال الدولي أن قانون الكونغرس لعام 1995 الخاص بنقل السفارة إلى مدينة القدس المحتلة، والاعتراف بالمدينة عاصمة أبدية وموحّدة ووحيدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، هو فعل قانوني باطل، وتصرّف في أمور ليست من صلاحيات مجلس الكونغرس الأميركي الذي عليه سنّ التشريعات الخاصة بالولايات المتحدة ومراقبة مؤسسات السلطة التنفيذية، وليس مزاحمة وزارة الخارجية في التقرير في أمور العلاقات الخارجية بين الولايات المتحدة وأقطار العالم، إذ أن ذلك القانون  والبيان الجديد للكونغرس بتفعيله، يتعارض مع كل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدءاً من قرارها الشهير الرقم 181 العام 1947، ولغاية القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي الرقم 2334 الصادر بتاريخ 23 كانون الأول/ ديسمبر من عام 2016، الأول اعتبر القدس بشقّيها الغربي والشرقي مدينة موحّدة تحت وصاية دولية مع السماح لأتباع الديانات بحرية الوصول إلى أماكن العبادة - وهو القرار الذي نشأت بموجبه دولة "إسرائيل " على الرغم من أنه وفق الشرعية الدولية غير مُلزم كونه لم يصدر عن مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السادس أو السابع، في وقت صوّت لصالح القرار ست وخمسون دولة من عدد أعضاء الجمعية العامة البالغ 57 ،آنذاك، وكان اشتراط كثير من تلك الدول المصوّتة  لتمرير القرار، وخاصة دول أميركا اللاتينية، موافقة ممثلي العصابات اليهودية على تدويل وضع مدينة القدس - والأخير اعتبر القدس الشرقية مدينة عربية فلسطينية محتلة منذ العام 1967 لايجوز الاستيطان في أرضها، أو ضمّها، أو بناء مستوطنات فيها أو نقل أي جزء من سكانها منها، أو نقل جزء من مواطني دولة الاحتلال إليها، بناء على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وبروتوكليها الإضافيين لعام 1977، والتي تنطبق على سكان الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس وقطاع غزّة وهضبة الجولان السورية، واعتبار كل إجراءات سلطة الاحتلال الإسرائيلي فيها منذ ذلك العام، لاغية وباطلة بموجب القانون الدولي ومبادئه المُلزمة للدول والشعوب، وهي المرجعيات الدولية التي التزمت بها دول العالم منذ بدء الصراع العربي مع العدو الصهيوني، ولم تؤسس تلك الدول وحكوماتها أية سفارات لها في مدينة القدس في أي من حدودها وأرضها الغربية والشرقية، باعتبار أن السلطة القائمة بالاحتلال في أرض الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، لم تنّفذ أياً من قرارات الشرعية الدولية منذ الحرب العربية الأولى مع الصهاينة عام 1948 ولغاية الآن، ولم تتم تسوية قضايا عديدة في الصراع في المنطقة وأبرزها قضية الانسحاب الإسرائيلي المُلزم من كل الأراضي العربية التي احتلها جيش العدو الصهيوني  في عدوان 1967 والاستيلاء على تلك الأراضي بالقوة العسكرية، في تحد مكشوف ومُدان عالمياً لمبدأ دولي مُلزم وأحد بنود ميثاق الأمم المتحدة الأساسية، وهو "عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة"، ورفض دولة العدو لمبدأ مركزي ثان في الميثاق ذاته، هو حق جميع الشعوب بتقرير مصيرها .

وبناء على ذلك ، فإن تصريحات الرئيس الأميركي الجديد بنقل سفارة بلاده إلى القدس، وقبله قانون الكونغرس المُشار إليه في متن المقال، ولاحقاً بيان المجلس ذاته بتفعيل القانون المذكور، هي أعمال مخالفة للشرعية الدولية في ما يخصّ القضية الفلسطينية، ومخالفة لمواقف الولايات المتحدة السياسية والدبلوماسية والقانونية، وتعد مباشر وصريح على حقوق الشعب العربي الفلسطيني غير القابلة للتصرّف، ونسف لمقرّرات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ذات الصلة، بين عامي 1947 -2017، واعتداء واضح على مبادىء مجلس الأمن الذي وجد من أجل تحقيقها، وخاصة مبدأ صون السلم والأمن الدوليين وحمايتهما، مما سيُعرض أمن شعوب المنطقة وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية  لخطر حقيقي ووجودي، في حال تنفيذ أمر نقل السفارة، إذ سينسف ذلك  كل سنوات الجهد العالمي بمحاربة الإرهاب والتطرّف في المنطقة، وسيطلق المجال مفتوحاً لولادة عشرات التنظيمات العقائدية المسلحة ويعطيها الشرعية والتأييد من قِبَل غالبية الشباب العربي والمسلم، وبالتالي سيؤسّس ذلك الفعل المشين، إن تم، لوعد بلفور ثان، يُشرّع تهويد قبلة العرب والمسلمين لصالح ستة ملايين يهودي في فلسطين، هم حالياً أقل من عدد العرب الفلسطينيين في فلسطين التاريخية، وتُشكل دولتهم الاحتلال الوحيد الباقي في عالمنا المعاصر، الاحتلال الذي ترفضه كل شعوب العالم وحكوماته، باستثناء عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي ممن تكفّلت منظمات صهيونية بتمويل حملات ترشّحهم النيابية، وممن يعتنقون مبادىء "المسيحية الصهيونية"، وبالتالي قد يُشرّع أولئك النفر ، مع الرئيس الجديد لحرب دينية بين المسلمين واليهود لن تقتصر ميادينها على مساحة فلسطين التاريخية فحسب، ولن تلتزم بأي من مبادىء وأخلاقيات الحروب المتعارف عليها في مبادىء القانون الدولي الإنساني الماضية والمعاصرة، ولا بما تعارفت عليه الشعوب والأمم المتحضّرة، قد تفضي إلى نتائج مُخيفة وقاسية لم ولن تُدر في خلد أحد!!!