انتفاضة... على وقع صوت الأسرى خلف القضبان

ولا تزال انتفاضة القدس يوماً بعد يوم، تثبت فعاليتها واستمراريتها، فما أن تبدأ نيران شعلتها بالإندثار، حتى تفاجئنا تلك الانتفاضة الشعبية، بشكل جديد وأداة جديدة تُدرَج ضمن سبل مقاومة الاحتلال.

لا تزال انتفاضة القدس يوماً بعد يوم تثبت فعاليتها واستمراريتها
الانتفاضة التي أطلق صرختها الشعب الفلسطيني، وأعلنها انتفاضة شاملة، لم يستثن منها أية مدينة أو حيّ على كل أرض فلسطين، من الخليل إلى القدس، فحيفا وتل أبيب، أذاق الشباب الفلسطيني الكيان الإسرائيلي شيئاً من ذلك العذاب الذي يعانيه الفلسطينيون من آلة الحرب الإسرائيلية وانتهاكاتها اليومية بحقهم.

"إدارة مصلحة السجون"... جدْلُ فتيل الانتفاضة"

ولأنها انتفاضة من الشعب، لا يقيّدها مكان أو زمان، تفاجئنا بامتدادها إلى داخل السجون الإسرائيلية، لتلك الزنازين الضيّقة حيث يقبع ما يزيد على 7 آلاف أسير فلسطيني.

المفاجأة لم تكن بغير المتوقعة، فما يعانيه الأسرى داخل سجون الكيان الإسرائيلي من انتهاكات للحقوق، وانعدام أبسط مقوّمات الحياة البشرية في تلك الزنازين، كان يُبقي السجون في حال غليان دائم، وصل حد الانفجار.

شراهة "إسرائيل" الكبيرة للإذلال والتعذيب، أعمت أبصارها عن تبعات اشتعال الأوضاع في السجون، وانتفاض الأسرى الفلسطينيين في وجهها، لا سيما في الآونة الأخيرة التي شهدت ارتفاعاً في وتيرة الاعتداءات على الأسرى، تخللتها اقتحامات ليلية لزنازينهم، وتفتيشات ذاتية لهم وصلت أحياناً للاعتداء عليهم بالضرب.

"إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية" وقوات القمع التابعة لها، بحملاتها المسعورة كانت تجدِل فتيل غضب الأسرى، وعلى الرغم من وعيها التام بخطورة انفجار الأوضاع داخل زنازين الأسرى، لكنها لم تدرك أن الانفجار سيكون بحجم انتقال عمليات الانتفاضة إلى خلف القضبان.

انتفاضة الأسرى... السيلاوي ونصّار

كما كان مهنّد الحلبي مُفجّر انتفاضة القدس، ومن قبله الشيخ خضر عدنان مُفجّر معركة الأمعاء الخاوية، يُفجّر الأسيران خالد السيلاوي وأحمد نصّار، انتفاضة الأسرى، بعمليتي طعن منفصلتين في سجني "النقب" و"نفحة".

ففي الأول من شباط/ فبراير وخلال اقتحام عناصر من وحدة "متسادا" التابعة لقوات قمع السجون  زنازين الأسرى في سجن "نفحة"، وتحديداً الغرفة رقم (7) من القسم رقم (1) في السجن، قام الأسير خالد السيلاوي بضرب أحد الجنود من الوحدة بأداة حادّة، احتجاجاً على تلك الاقتحامات والتفتيشات المُهينة، وسياسات العزل الإفرادي التي تنتهك كافة النصوص والمواثيق الدولية كالمواد (117,118, 119) من اتفاقية جنيف الرابعة.

أما عن عملية الطعن الثانية في سجن "النقب"، والتي نفّذها الأسير أحمد نصّار، احتجاجاً على أوضاع الأسرى داخل السجن، إذ لا توجد أية وسائل تدفئة بالإضافة إلى الاعتداءات والاقتحامات اليومية لغرف الأسرى.

هاتان العمليتان شكلتا نقطة تحوّل في مسار انتفاضة القدس أولاً، ومسار مقاومة الاحتلال داخل السجون. فالانتفاضة التي انطلقت من الشارع الفلسطيني والتي رفع صوتها الشباب الفلسطيني تسلّلت من بين القضبان "الإسرائيلية" وصدحت في حناجر الأسرى، الذين وعلى الرغم من تقييد حريتهم والتضييق المستمر عليهم من قِبَل "إدارة مصلحة السجون"، إلا أنهم دائماً ما يجدون سبيلاً لمقاومة تلك الإدارة المتغطرسة، فرأيناهم يقاطعون "المحاكم الإسرائيلية" ويُضربون عن الطعام، ويعلنون حال العصيان داخل زنازينهم. كلها سبل خطّها الأسرى بدمائهم لحصد انتصاراتهم وكسر شوكة سجّانيهم.

العمليتان شكّلتا حالاً من الذهول لدى "الإسرائيليين"، فلم يكن من المتوقّع أبداً أن يصل انفجار الأوضاع في السجون إلى حد عمليات الطعن، الأمر الذي لاقى تأييداً واسعاً من قِبَل الفصائل الفلسطينية والشارع الفلسطيني، وتقرّر على إثره تنظيم أسبوع فعاليات تضامنية مع الأسرى في سجون الاحتلال كان أولها خيمة الاعتصام أمام مقرّ الصليب الأحمر في غزّة.

ما بعد عمليتي "النقب" و"نفحة"...

 الانتفاضة التي أشعلها السيلاوي ونصّار لن تكون الأخيرة، وعمليات الطعن خلف القضبان لن تقف عند هاتين العمليتين، في ظلّ ارتفاع وتيرة الاعتداءات، وانسعار قوات قمع السجون على الأسرى، وعدم تلبية العديد من المطالب المحقّة لهم.

وكما لم تتمكّن كل إجراءات جيش الاحتلال من قمع عمليات الانتفاضة في الشارع، لن تتمكّن كذلك كل إجراءات "إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية" من وقف انتفاضة الأسرى، ويجب على الإدارة ان تكون مُتيقّنة تمام اليقين أن لكل فعل ردّ فعل يقابله، ولكل اعتداء، منحى جديداً يتخذه الأسرى لمواجهة انتهاكاتها بحقهم.