رصاصةٌ في عين الحلوة
رصاصةُ قنص طائشة اخترقت سكون مخيم عين الحلوة، اختطفت ضحكَة طفل لم يتجاوز ربيعه العاشر، وأسالت دمع فتاة كانت بالأمس تُمازِحه في الحيّ أمام المنزل.
الرصاصة التي خطفت ضحكَات الطفل "عرفات صهيون" ابن الـ10 سنوات كانت عنوان التجدّد الأخير لتبادُل إطلاق النيران في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا جنوب لبنان، على الرغم من الاتصالات والإجراءات الأمنية كافة التي نفّذتها بعض الفصائل داخل المخيم للحفاظ على وقف إطلاق النار وعدم زجّ المخيم في اقتتال داخلي جديد. لكن جولة الاقتتال هذه المرّة كانت أعقد من سابقاتها، وحملت معها رسائل وإنذارات عدّة، والمُفارقة في هذا التصعيد هي تلك الأحداث التي رافقت اشتعال محاور عين الحلوة من جديد. فمن الغريب أن يتزامن وصول الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان للقاء نظيره اللبناني ميشال عون مع عودة التوتّر وتبادُل إطلاق النار في محاور عين الحلوة، لا سيما أن ملف المخيم كان حاضراً على طاولة الحوار بين الرئيسين، إذ أكّد عباس خلال اللقاء على حياديّة المخيمات وعدم مساسها بالسلم الأهلي اللبناني. ومن الأغرب، أن تتجدّد الاشتباكات في عين الحلوة في ظلّ تسريبات عدّة تناقلتها وسائل إعلام محلية حول الزيارة، مفادها نيّة عباس طلب دخول الجيش اللبناني إلى داخل المخيمات. المُزامنة هذه تحمل في طيّاتها احتمالات عدّة، أحدها تخوّف الفصائل الإسلامية وخلايا "داعش" وجماعة "الإسلامي بلال بدر" داخل المخيم مما حمله عباس في زيارته حول ضرورة إنهاء تلك الجماعات واستئصالها من أزقّة المخيم، والتي باتت تتمدّد داخله، ووصلت إلى مناطق "حيّ الصفصاف" و"الشارع الفوقاني"، فقرّرت بدورها توجيه رسالة إليه بالرصاص، مفادها أنها حاضرة وبقوة لأية محاولة للمساس بها. أما الاحتمال الثاني، فيمكن الذهاب معه إلى أبعد من حدود مخيم عين الحلوة، إذ أن تجدّد الاشتباكات هذا، ما هو إلا جزء من سيناريو محضّر لضرب الساحة اللبنانية، انطلاقاً من محاولة تثبيت تلك الجماعات الإسلامية المتشددة في المخيم، والمطالبات العديدة التي توجّهها الأجهزة الأمنية اللبنانية للفصائل الفلسطينية، من أجل تسليم المطلوبين كافة والصادرة بحقّهم مذكّرات توقيف عدّة، حيث باتت أحداث عين الحلوة تشبه إلى حد كبير ذلك السيناريو الذي شهده مخيم نهر البارد عام 2006. ومع تسلّم عباس لائحة بالمطلوبين الخطرين داخل المخيم قُبيل مغادرة طائرته الأراضي اللبنانية، تزداد حدّة التوتّر في المخيم، وتتواصل الاشتباكات التي وعلى الرغم من كبح جماحها أوقات عدّة إلا أن مظاهرها لا تغادر المخيم، فالتحصينات الأمنية و"المتاريس" العسكرية والتسلّح باتت جزءاً من الحياة اليومية للاجئ الفلسطيني داخل المخيم. وبين كل تلك البنادق المرفوعة في المخيم بأسماء وأوجه عدّة، يضيع دم اللاجئ الفلسطيني ويصبح هو الحلقة الأضعف، فالرصاص الطائش لا يُميّز بين مدني وعسكري ولا بين كبير وصغير، وخير شهادة وفاة الطفل عرفات برصاص القنص الطائش. بعيداً عن كل الاحتمالات والحسابات السياسية وقرارات الحَسم العسكري، نُعيد توجيه البوصلة نحو الطفل عرفات الذي يُجسّد مجتمعاً مكوّناً مما يقلّ عن 100 ألف لاجئ فلسطيني داخل المخيم، يُحرمون من أبسط حقوقهم اليومية، وإما يُمنعون من الحركة أو يهربون إلى خارج عين الحلوة مع كل مرة تتجدّد فيها الاشتباكات داخل المخيم، وذلك أن لهم من الرصاص الطائش حصّة الأسد دائماً.